في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

57

ثم نشهد - بعين الخيال - فإذا صحاف من ذهب وأكواب يطاف بها عليهم . وإذا لهم في الجنة ما تشتهيه الأنفس . وفوق شهوة النفوس التذاذ العيون ، كمالاً وجمالاً في التكريم :

( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب . وفيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ) . .

ومع هذا النعيم . ما هو أكبر منه وأفضل . التكريم بالخطاب من العلي الكريم :

( وأنتم فيها خالدون . وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون . لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون )فما بال المجرمين الذين تركناهم منذ هنيهة يتلاحون ويختصمون ?

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يطاف عليهم} بأيدي الغلمان.

{بصحاف من ذهب وأكواب} من فضة، يعني الأكواب التي ليس لها عرى مدورة الرأس في صفاء القوارير.

{وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون} لا تموتون...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: يُطاف على هؤلاء الذين آمنوا بآياته في الدنيا إذا دخلوا الجنة في الآخرة بصحاف من ذهب، وهي جمع للكثير من الصّحْفة، والصّحْفة: القصعة... وقوله:"وأكْوَابٍ" وهي جمع كوب، والكوب: الإبريق المستدير الرأس، الذي لا أذن له ولا خرطوم... ومعنى الكلام: يطاف عليهم فيها بالطعام في صِحاف من ذهب، وبالشراب في أكواب من ذهب، فاستغنى بذكر الصّحاف والأكواب من ذكر الطعام والشراب، الذي يكون فيها لمعرفة السامعين بمعناه. "وَفِيها ما تَشْتَهيه الأَنْفُسُ وَتَلَذّ الأَعْيُنُ "يقول تعالى ذكره: لكم في الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون، وتلذّ أعينكم.

"وأنْتُمْ فِيها خالِدُونَ" يقول: وأنتم فيها ماكثون، لا تخرجون منها أبدا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل ذكر الصحاف من الذهب والأكواب وجوها:

أحدها: ذكر ذلك لهم في الآخرة ترغيبا لهم فيها وتحريضا لما يرغبون بمثل ذلك إلى السعي للآخرة.

والثاني: يحتمل أن ما ذكر ذلك لأن أهل الدنيا كانوا يتفاخرون بهذه الأشياء في الدنيا، فيُخبِر أن لأوليائه ذلك في الآخرة وذلك دائم، وهذا فانٍ ولا عبرة للفاني، فما معنى الافتخار به؟

والثالث: يحتمل أنه ذكر ذلك لأنه حرّم عليهم الانتفاع في الدنيا باستعمال الذهب والفضة والحرير، فأخبر أن لهم الانتفاع بذلك في الآخرة التي هي دار التنعُّم فأما ما سوى ذلك من العُرُش والأواني فإنه لا بأس بذلك، وهو مباح في الدارين جميعا.

وأما ذكر الأكواب فيحتمل وجهين أيضا:

أحدهما: الترغيب على ما ذكرنا؛ لأنهم يتمنّون، ويرغبون فيها في الدنيا.

والثاني: يُخبر أن لا مُؤنة عليهم في حمل الأواني ورفعها عند الشرب والأكل، ولا يتولّون ذلك بأنفسهم، لكن الخدم هم الذين يتولّون سقيهم.

{وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين} فذلك في الجنة ليس كنعيم الدنيا؛ لأن في الدنيا قد يشتهي شاربها، ولا تلذّ به العيون. ويحتمل أنه ذكر ذلك في الآخرة لما مُنعوا، وحُرموا في الدنيا مما لا يحلّ.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

هذا حصر لأنواع النعم، لأنها إما مشتهاة في القلوب، وإما مستلذة في العيون...

مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي 548 هـ :

... وقد جمع الله سبحانه بقوله (ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين) ما لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يصفوا ما في الجنة من أنواع النعيم، لم يزيدوا على ما انتظمته هاتان الصفتان.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان هذا أمراً سائقاً إلى حالهم سابقاً لمن كان واقفاً عنهم إلى وصالهم، أقبل على ما لعله يوقفه الاشتغال بلهو أو مال محركاً لما جهل منه، ومنبهاً على ما غفل عنه، فقال عائداً إلى الغيبة ترغيباً في التقوى: {يطاف عليهم} أي المتقين الذين جعلناهم بهذا النداء ملوكاً.

{بصحاف} جمع صحفة وهي القصعة {من ذهب} فيها من ألوان الأطعمة والفواكه والحلوى ما لا يدخل تحت الوهم.

ولما كانت آنية الشرب في الدنيا أقل من آنية الأكل، جرى على ذلك المعهود، فعبر بجمع القلة في قوله: {وأكواب} جمع كوب وهو كوز مستدير مدور الرأس لا عروة له، قد تفوق عن شيء منه اليد أو الشفقة أو يلزم منها بشاعة في شيء من دائر الكوز، وإيذاناً بأنه لا حاجة أصلاً إلى تعليق شيء لتزيد أوصافه عن أذى أو نحو ذلك.

ولما رغب فيها بهذه المغيبات، أجمل بما لا يتمالك معه عاقل عن المبادرة إلى الدخول فيما يخصها فقال: {وفيها} أي الجنة.

ولما كانت اللذة محصورة في المشتهى قال تعالى: {ما تشتهيه الأنفس} من الأشياء المعقولة والمسموعة والملموسة وغيرها؛ جزاء لهم على ما منعوا أنفسهم من الشهوات في الدنيا، ولما كان ما يخص المبصرات من ذلك أعظم، خصها فقال:

{وتلذ الأعين} من الأشياء المبصرة التي أعلاها النظر إلى وجهه الكريم تعالى، جزاء ما تحملوه من مشاق الاشتياق.

ولما كان ذلك لا يكمل طيبه إلا بالدوام، قال عائداً إلى الخطاب؛ لأنه أشرف وألذ مبشر لجميع المقبلين على الكتاب، والملتفت إليهم بالترغيب في هذا الثواب، بشارة لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بما قدمه في أول السورة وأثنائها من بلوغ قومه نهاية العقل والعلم الموصلين إلى أحسن العمل الموجب للسعادة: {وأنتم فيها خالدون} لبقائها وبقاء كل ما فيها، فلا كلفة عليكم أصلاً من خوف من زوال ولا حزن من فوات.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{ما تشتهيه الأنفس} كلّ ما تتعلق الشهوات النفسية بنواله وتحصيله، والله يخلق في أهل الجنة الشهوات اللائقة بعالم الخلود والسمو...

ولذة الأعين في رؤية الأشكال الحسنة والألوان التي تنشرح لها النفس، فلذّة الأعين وسيلة للذة النفوس فعطف {وتلَذّ الأعين} على {ما تشتهيه الأنفس} عطف ما بينه وبين المعطوف عليه عمومٌ وخصوص، فقد تشتهي الأنفس ما لا تراه الأعين كالمحادثة مع الأصحاب وسماعِ الأصوات الحسنة والموسيقى. وقد تبصر الأعين ما لم تسبق للنفس شهوة رؤيتِه أو ما اشتهت النفس طعمه أو سمعه فيؤتى به في صور جميلة إكمالاً للنعمة...

.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

تقول في بيان النعمة الثالثة: (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب) فهم يُضافون ويخدمون بأفضل الأواني، وألذّ الأطعمة، في منتهى الهدوء والاطمئنان والصفاء.

«الصحاف» جمع صحفة، وهي في الأصل من مادة صحف، أي التوسع، وتعني هنا الأواني الكبيرة الواسعة والأكواب.

ومع أنّ الكلام في الآية عن الصحاف الذهبية، دون طعامهم وشرابهم، إلاّ أن من البديهي أنّ الذين يخدمونهم لا يطوفون عليهم بصحاف خالية مطلقاً.

وتشير في الرابعة والخامسة إلى نعمتين أُخريين جمعت فيهما كلّ نعم العالم المادية والمعنوية، فتقول: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين)، وعلى قول المرحوم الطبرسي في مجمع البيان: لو أنّ جميع الخلائق قد اجتمعت لوصف أنواع نعم الجنّة، فسوف لا يقدرون أن يضيفوا شيئاً على ما جاء في هذه الجملة أبداً.

وأي تعبير أجمل من هذا التعبير وأجمع منه؟ فهو تعبير بسعة عالم الوجود، وبسعة ما يخطر في أذهاننا اليوم وما لا يخطر، تعبير ليس فوقه تعبير.

والطريف أن مسألة شهية النفس قد بيّنت منفصلة عن لذة العين، وهذا الفصل عميق المعنى: فهل هو من قبيل ذكر الخاص بعد العام، من جهة أن للذّة النظر أهمية خاصّة تفوق اللذات الأُخرى؟ أم هو من جهة أن جملة: (ما تشتهيه الأنفس) تبيّن لذات الذوق والشم والسمع واللمس، أمّا جملة (تلذ الأعين) فهي تبيان للذة العين والنظر.

ويعتقد البعض أنّ جملة: (ما تشتهيه الأنفس) إشارة إلى كلّ اللذات الجسمية، في حين أن جملة (تلذ الأعين) مبينة للذات الروحية، وأي لذة في الجنة أسمى من أن ينظر الإِنسان بعين القلب إلى جمال الله الذي لا يشبهه جمال، فإنّ لحظة من تلك اللحظات تفوق كل نعم الجنة المادية.

ومن البديهي أنّ شوق الحبيب كلما زاد، كانت لذة اللقاء أعظم.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

فيه أربع مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب " أي لهم في الجنة أطعمة وأشربة يطاف بها عليهم في صحاف من ذهب وأكواب . ولم يذكر الأطعمة والأشربة ؛ لأنه يعلم أنه لا معنى للإطافة بالصحاف والأكواب عليهم من غير أن يكون فيها شيء . وذكر الذهب في الصحاف واستغنى به عن الإعادة في الأكواب ، كقوله تعالى : " والذاكرين الله كثيرا والذاكرات " {[13674]} [ الأحزاب : 35 ] . وفي الصحيحين عن حذيفة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : [ لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها{[13675]} فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ] . وقد مضى في سورة " الحج " {[13676]} أن من أكل فيهما في الدنيا أو لبس الحرير في الدنيا ولم يتب حرم ذلك في الآخرة تحريما مؤيدا . والله أعلم . وقال المفسرون : يطوف على أدناهم في الجنة منزلة سبعون ألف غلام بسبعين ألف صحفة من ذهب ، يغدى عليه بها ، في كل واحدة منها لون ليس في صاحبتها ، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها ، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها ، لا يشبه بعضه بعضا ، ويراح عليه بمثلها . ويطوف على أرفعهم درجة كل يوم سبعمائة ألف غلام ، مع كل غلام صحفة من ذهب ، فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها ، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها ، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها ، لا يشبه بعضه بعضا .

" وأكواب " أي ويطاف عليهم بأكواب ، كما قال تعالى : " ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب " {[13677]} [ الإنسان : 15 ] . وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا معمر عن رجل عن أبي قلابة قال : يؤتون بالطعام والشراب ، فإذا كان في آخر ذلك أوتوا بالشراب الطهور فتضمر لذلك بطونهم ، ويفيض عرقا من جلودهم أطيب من ريح المسك ، ثم قرأ " شرابا طهورا " [ الإنسان : 21 ] . وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام ؟ قال : جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير - في رواية - كما يلهمون النفس ] .

الثانية- روى الأئمة من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) وقال : ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ) وهذا يقتضي التحريم ، ولا خلاف في ذلك . واختلف الناس في استعمالها في غير ذلك . قال ابن العربي : والصحيح أنه لا يجوز للرجال استعمالها في شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم الذهب والحرير : ( هذان حرام لذكور أمتي حل لإناثها ) . والنهي عن الأكل والشرب فيها يدل على تحريم استعمالها ؛ لأنه نوع من المتاع فلم يجز أصله الأكل والشرب ، ولأن العلة في ذلك استعجال أمر{[13678]} الآخرة ، وذلك يستوي فيه الأكل والشرب وسائر أجزاء الانتفاع ، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال : ( هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ) فلم يجعل لنا فيها حظا في الدنيا .

الثالثة- إذا كان الإناء مضببا بهما أو فيه حلقة منهما ، فقال مالك : لا يعجبني أن يشرب فيه ، وكذلك المرأة تكون فيها الحلقة من الفضة ولا يعجبني أن ينظر فيها وجهه .

وقد كان عند أنس إناء مضبب بفضة وقال : لقد سقيت فيه النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن سيرين : كانت فيه حلقة حديد فأراد أنس أن يجعل فيه حلقة فضة ، فقال أبو طلحة : لا أغير شيئا مما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتركه .

الرابعة- إذا لم يجز استعمالها لم يجز اقتناؤها ؛ لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اقتناؤه كالصنم والطنبور{[13679]} . وفي كتب علمائنا أنه يلزم الغرم في قيمتها لمن كسرها ، وهو معنى فاسد ، فإن كسره واجب فلا ثمن لقيمتها . ولا يجوز تقويمها في الزكاة بحال . وغير هذا لا يلتفت إليه .

قوله تعالى : " بصحاف " قال الجوهري : الصحفة كالقصعة والجمع صحاف . قال الكسائي : أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ، ثم الصحفة تشبع الخمسة ، ثم المئكلة تشبع الرجلين والثلاثة ، ثم الصحيفة تشبع الرجل . والصحيفة الكتاب والجمع صحف وصحائف . " وأكواب " قال الجوهري : الكوب كوز لا عروة له ، والجمع أكواب قال الأعشى يصف الخمر :

صَرِيفيَّةٌ طَيِّبٌ طعمُها *** لها زَبَدٌ بينَ كُوبٍ ودَنّ{[13680]}

وقال آخر{[13681]} :

مُتَّكِئًا تَصْفِق أبوابُه *** يسعى عليه العبدُ بالكُوب

ِوقال قتادة : الكوب المدور القصير العنق القصير العروة . والإبريق : المستطيل العنق الطويل العروة . وقال الأخفش : الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها . وهي الأباريق التي ليست لها عرى . وقال مجاهد : إنها الآنية المدورة الأفواه . السدي : هي التي لا آذان لها . ابن عزيز : " أكواب " أباريق لا عرى لها ولا خراطيم ، واحدها كوب .

قلت : وهو معنى قول مجاهد والسدي ، وهو مذهب أهل اللغة أنها التي لا آذان لها ولا عرى .

قوله تعالى : " وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين " روى الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هل في الجنة من خيل ؟ قال : [ إن الله أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة{[13682]} حيث شئت ] . قال : وسأله رجلا فقال يا رسول الله ، هل في الجنة من إبل ؟ قال : فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه قال : [ إن أدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك ] . وقرأ أهل المدينة ، ابن عامر وأهل الشام " وفيها ما تشتهيه الأنفس " ، الباقون " تشتهي الأنفس " أي تشتهيه الأنفس ، تقول الذي ضربت زيد ، أي الذي ضربته زيد . " وتلذ الأعين " تقول : لذ الشيء يلذ لذاذا ، ولذاذة . ولذذت . بالشيء ألذ ( بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل ) لذاذا ولذاذة ، أي وجدته لذيذا . والتذذت به وتلذذت به بمعنى . أي في الجنة ما تستلذه العين فكان حسن المنظر . وقال سعيد بن جبير : " وتلذ الأعين " النظر إلى الله عز وجل ؛ كما في الخبر : [ أسألك لذة النظر إلى وجهك ] . " وأنتم فيها خالدون " باقون دائمون ؛ لأنها لو انقطعت لتبغضت .


[13674]:آية 35 سورة الأحزاب. راجع ج 14 ص 185.
[13675]:قوله "في صحافها" على حدّ قوله تعالى:" والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها... فالضمير" عائد على الفضة، ويلزم حكم الذهب بطريق الأولى.
[13676]:راجع ج 12 ص 29.
[13677]:آية 15 سورة الإنسان.
[13678]:في ابن العربي:" أجر".
[13679]:الطنبور: من آلات الطرب ذو عنق طويل وستة أوتار من نحاس، معرّب.
[13680]:الصريفية: الخمر المنسوبة إلى صريفون، وهي قرية عند عكبراء، أو لأنها أخذت من الدنّ ساعتئذ كاللبن الصريف (الحليب الحار ساعة يصرف من الضرع).
[13681]:هو عدي بن زيد.
[13682]:زيادة عن سنن الترمذي.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

ولما كان هذا أمراً سائقاً إلى حالهم سابقاً لمن كان واقفاً عنهم إلى وصالهم ، أقبل على ما لعله يوقفه الاشتغال بلهو أو مال محركاً لما جهل منه ، ومنبهاً على ما غفل عنه ، فقال عائداً إلى الغيبة ترغيباً في التقوى : { يطاف عليهم } أي المتقين الذين جعلناهم بهذا النداء ملوكاً { بصحاف } جمع صحفة وهي القصعة { من ذهب } فيها من ألوان الأطعمة والفواكه والحلوى ما لا يدخل تحت الوهم .

ولما كانت آنية الشرب في الدنيا أقل من آنية الأكل ، جرى على ذلك المعهود ، فعبر بجمع القلة في قوله : { وأكواب } جمع كوب وهو كوز مستدير مدور الرأس لا عروة له ، قد تفوق عن شيء منه اليد أو الشفقة أو يلزم منها بشاعة في شيء من دائر الكوز ، وإيذاناً بأنه لا حاجة أصلاً إلى تعليق شيء لتزيد أوصافه عن أذى أو نحو ذلك .

ولما رغب فيها بهذه المغيبات ، أجمل بما لا يتمالك معه عاقل عن المبادرة إلى الدخول فيما يخصها فقال : { وفيها } أي الجنة . ولما كانت اللذة محصورة في المشتهى قال تعالى : { ما تشتهيه الأنفس } من الأشياء المعقولة والمسموعة والملموسة وغيرها جزاء لهم على ما منعوا أنفسهم من الشهوات في الدنيا ، ولما كان ما يخص المبصرات من ذلك أعظم ، خصها فقال : { وتلذ الأعين } من الأشياء المبصرة التي أعلاها النظر إلى وجهه الكريم تعالى ، جزاء ما تحملوه من مشاق الاشتياق .

ولما كان ذلك لا يكمل طيبه إلا بالدوام ، قال عائداً إلى الخطاب لأنه أشرف وألذ مبشر لجميع المقبلين على الكتاب ، والملتفت إليهم بالترغيب في هذا الثواب ، بشارة لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بما قدمه في أول السورة وأثنائها من بلوغ قومه نهاية العقل والعلم الموصلين إلى أحسن العمل الموجب للسعادة : { وأنتم فيها خالدون } لبقائها وبقاء كل ما فيها ، فلا كلفة عليكم أصلاً من خوف من زوال ولا حزن من فوات .