ثم أمر الله نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] أن يأمر نساءه وبناته ونساء المؤمنين عامة - إذا خرجن لحاجتهن أن يغطين أجسامهن ورؤوسهن وجيوبهن - وهي فتحة الصدر من الثوب - بجلباب كاس . فيميزهن هذا الزي ، ويجعلهن في مأمن من معابثة الفساق . فإن معرفتهن وحشمتهن معا تلقيان الخجل والتحرج في نفوس الذين كانوا يتتبعون النساء لمعابثتهن : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن . ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين . وكان الله غفورا رحيما ) . .
قال السدي في هذه الآية : كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طريق المدينة فيعرضون للنساء . وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة ، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطريق يقضين حاجتهن ، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن . فإذا رأوا المرأة عليها جلباب . قالوا : هذه حرة . فكفوا عنها . وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا : هذه أمة فوثبوا عليها . .
وقال مجاهد : يتجلببن فيعلم أنهن حرائر ، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة . وقوله تعالى : ( وكان الله غفورا رحيما )أي لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك .
ومن ذلك نرى الجهد المستمر في تطهير البيئة العربية ، والتوجيه المطرد لإزالة كل أسباب الفتنة والفوضى ، وحصرها في أضيق نطاق ، ريثما تسيطر التقاليد الإسلامية على الجماعة كلها وتحكمها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} يعني القناع فوق الخمار {ذلك أدنى} يعني أجدر {أن يعرفن} في زيهن أنهن لسن بمريبات، وأنهن عفائف، فلا يطمع فيهن أحد.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، لا يتشبهن بالإماء في لباسهنّ إذا هن خرجن من بيوتهنّ لحاجتهنّ، فكشفن شعورهنّ ووجوههنّ، ولكن ليدنين عليهنّ من جلابيبهنّ، لئلا يعرض لهنّ فاسق، إذا علم أنهنّ حرائر بأذى من قول.
ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهنّ الله به؛
فقال بعضهم: هو أن يغطين وجوههنّ ورؤوسهنّ، فلا يبدين منهنّ إلا عينا واحدة... وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهنّ على جباههنّ...
عن ابن عباس، قوله:"يا أيّها النّبِيّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِنْ جَلابِيبِهِنّ" إلى قوله: "وكانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيما "قال: كانت الحرّة تلبس لباس الأمة، فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ وإدناء الجلباب: أن تقنع وتشدّ على جبينها...
عن مجاهد، قوله: "يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِنْ جَلابِيبِهِنّ": يتجلببن فيُعلم أنهنّ حرائر فلا يعرض لهنّ فاسق بأذى من قول ولا ريبة...
وقوله: "ذلكَ أدْنَى أنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ" يقول تعالى ذكره: إدناؤهنّ جلابيبهنّ إذا أدنينها عليهنّ أقرب وأحرى أن يعرفن ممن مررن به، ويعلموا أنهنّ لسن بإماء، فيتنكّبوا عن أذاهنّ بقول مكروه، أو تعرّض بريبة.
"وكانَ اللّهُ غَفُورا" لما سلف منهنّ من تركهنّ إدناءهنّ الجلابيب عليهنّ "رَحِيما" بهنّ أن يعاقبهنّ بعد توبتهنّ بإدناء الجلابيب عليهنّ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
الجلباب: ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل. وقيل: الملحفة وكل ما يستتر به من كساء أو غيره.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
لما كانت عادة العربيات التبذل في معنى الحجبة، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكر فيهن، أمر الله تعالى رسوله عليه السلام بأمرهن بإدناء الجلابيب، ليقع سترهن ويبين الفرق بين الحرائر والإماء، فيعرف الحرائر بسترهن فكيف عن معارضتهن من كان غزلاً أو شاباً.
وباقي الآية ترجية ولطف وحظ على التوبة وتطميع في رحمة الله تعالى، وفيها تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل هذا الأمر المشروع.
لما ذكر أن من يؤذي المؤمنين يحتمل بهتانا، وكان فيه منع المكلف عن إيذاء المؤمن، أمر المؤمن باجتناب المواضع التي فيها التهم الموجبة للتأذي لئلا يحصل الإيذاء الممنوع منه.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
أمر الله سبحانه جميع النساء بالستر، أو ذلك لا يكون إلا بما لا يصف جلدها، إلا إذا كانت مع زوجها فلها أن تلبس ما شاءت؛ لأن له أن يستمتع بها كيف شاء...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يا أيها النبي} فذكره بالوصف الذي هو منبع المعرفة والحكمة، لأن السياق لحكمة يذب بها عن الحريم لئلا يشتغل فكره صلى الله عليه وسلم بما يحصل لهن من الأذى عن تلقي شيء من الواردات الربانية، {قل لأزواجك} بدأ بهن لما لهن به من الوصلة بالنكاح، {وبناتك} ثنى بهن لما لهن به من الوصلة ولهن في أنفسهن من الشرف، وأخرهن عن الأزواج لأن أزواجه يكفونه أمرهن، ولما رقاهم سبحانه بهذا الأمر في حضرات الرضوان، خافوا عاقبة ما كانوا فيه من الغلط بالتشبه بالإماء، فأخبرهم سبحانه أنه في محل الجود والإحسان، فقال: {وكان الله} أي الذي له الكمال المطلق، أزلاً وأبداً {غفوراً} أي محاء للذنوب عيناً وأثراً {رحيماً} مكرماً لمن يقبل عليه ويمتثل أوامره ويحتنب مناهيه.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
والإدناء: التقريب يقال أدناني أي قربني، وضمن معنى الإرخاء أو السدل، ولذا عدي بعلى على ما يظهر لي، ولعل نكتة التضمين الإشارة إلى أن المطلوب تستر يتأتى معه رؤية الطريق إذا مشين فتأمل.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: رحم الله تعالى نساء الأنصار لما نزلت {مُّبِيناً يأَيُّهَا النبي قُل لأزواجك وبناتك} الآية، شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان. قال السبكي في طبقاته: إن أحمد بن عيسى من فقهاء الشافعية استنبط من هذه الآية أن ما يفعله العلماء والسادات من تغيير لباسهم وعمائمهم أمر حسن وإن لم يفعله السلف؛ لأن فيه تمييزاً لهم حتى يعرفوا فيعمل بأقوالهم، وهو استنباط لطيف.
{رَّحِيماً}... قيل: رحيماً بهن بعد التوبة عن الاخلال بالتستر بعد نزول الآية، وقبل.
رحيماً بعباده حيث راعى سبحانه في مصالحهم أمثال هذه الجزئيات.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
هذه الآية التي تسمى آية الحجاب، فأمر اللّه نبيه أن يأمر النساء عمومًا، ويبدأ بزوجاته وبناته لأنهن آكد من غيرهن، ولأن الآمر [لغيره] ينبغي أن يبدأ بأهله، قبل غيرهم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم أمر الله نبيه [صلى الله عليه وسلم] أن يأمر نساءه وبناته ونساء المؤمنين عامة -إذا خرجن لحاجتهن أن يغطين أجسامهن ورؤوسهن وجيوبهن- وهي فتحة الصدر من الثوب -بجلباب كاس. فيميزهن هذا الزي، ويجعلهن في مأمن من معابثة الفساق. فإن معرفتهن وحشمتهن معا تلقيان الخجل والتحرج في نفوس الذين كانوا يتتبعون النساء لمعابثتهن: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن. ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين. وكان الله غفورا رحيما)..
قال السدي في هذه الآية: كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طريق المدينة فيعرضون للنساء. وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطريق يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن. فإذا رأوا المرأة عليها جلباب. قالوا: هذه حرة. فكفوا عنها. وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا: هذه أمة فوثبوا عليها..
وقال مجاهد: يتجلببن فيعلم أنهن حرائر، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة. وقوله تعالى: (وكان الله غفورا رحيما) أي لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك.
ومن ذلك نرى الجهد المستمر في تطهير البيئة العربية، والتوجيه المطرد لإزالة كل أسباب الفتنة والفوضى، وحصرها في أضيق نطاق، ريثما تسيطر التقاليد الإسلامية على الجماعة كلها وتحكمها.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أتبع النهي عن أذى المؤمنات بأن أمرن باتقاء أسباب الأذى، لأن من شأن المطالب السعي في تذليل وسائلها...
وهذا يرجع إلى قاعدة التعاون على إقامة المصالح وإماتة المفاسد...
وابتدئ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته لأنهن أكمل النساء، فذكرهن من ذكر بعض أفراد العام للاهتمام به.
والنساء: اسم جمع للمرأة لا مفرد له من لفظه، وقد تقدم آنفاً عند قوله تعالى: {ولا نسائهن} [الأحزاب: 55]. فليس المراد بالنساء هنا أزواج المؤمنين بل المراد الإِناث المؤمنات، وإضافته إلى المؤمنين على معنى (من) أي النساء من المؤمنين.
والجلابيب: جمع جلباب وهو ثوب أصغر من الرداء وأكبر من الخمار والقِناع، تضعه المرأة على رأسها فيتدلى جانباه على عذارَيْها وينسدل سائره على كتفها وظهرها، تلبسه عند الخروج والسفر.
وهيئات لبس الجلابيب مختلفة باختلاف أحوال النساء تبينها العادات. والمقصود هو ما دل عليه قوله تعالى: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}.
والإِدناء: التقريب، وهو كناية عن اللبس والوضع، أي يضعن عليهن جلابيبهن...
وكان لبس الجلباب من شعار الحرائر، فكانت الإِماء لا يلبسن الجلابيب. وكانت الحرائر يلبسن الجلابيب عند الخروج إلى الزيارات ونحوها، فكُنَّ لا يلبسْنَها في الليل وعند الخروج إلى المناصع، وما كنّ يخرجن إليها إلا ليلاً فأمرن بلبس الجلابيب في كل خروج ليعرف أنهن حرائر، فلا يتعرض إليهن شباب الدُّعّار يحسبهن إماء أو يتعرض إليهن المنافقون استخفافاً بهن بالأقوال التي تخجلهن فيتأذيْنَ من ذلك، وربما يسببْن الذين يؤذونهن فيحصل أذى من الجانبين. فهذا من سدّ الذريعة.
والإِشارة ب {ذلك} إلى الإدناء المفهوم من {يدنين}، أي ذلك اللباس أقرب إلى أن يُعرف أنهن حرائر بشعار الحرائر فيتجنب الرجال إيذاءهن فيسلموا وتسلمن...
والتذييل بقوله: {وكان الله غفوراً رحيماً} صفح عما سبق من أذى الحرائر قبل تنبيه الناس إلى هذا الأدب الإِسلامي، والتذييل يقتضي انتهاء الغرض.
وشرط في لباس المرأة الشرعي ألا يكون كاشفا ولا واصفا ولا ملفتا للنظر، لأن من النساء من ترتدي الجلباب الطويل السابغ الذي لا يكشف شيئا من جسمها، إلا أنه ضيق يصف الصدر ويصف الأرداف، ويجسم المفاتن، حتى تبدو وكأنها عارية.
الأولى- قوله تعالى : " قل لأزواجك وبناتك " قد مضى الكلام في تفضيل أزواجه واحدة واحدة{[12913]} . قال قتادة : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسع . خمس من قريش : عائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسودة ، وأم سلمة . وثلاث من سائر العرب : ميمونة ، وزينب بنت جحش ، وجويرية . وواحدة من بني هارون : صفية . وأما أولاده فكان للنبي صلى الله عليه وسلم أولاد ذكور وإناث .
فالذكور من أولاده : القاسم ، أمه خديجة ، وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من مات من أولاده ، وعاش سنتين . وقال عروة : ولدت خديجة للنبي صلى الله ليه وسلم القاصم والطاهر وعبد الله والطيب . وقال أبو بكر البرقي : ويقال إن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله . وإبراهيم أمه مارية القبطية ، ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ، وتوفي ابن ستة عشر شهرا ، وقيل ثمانية عشر . ذكره الدارقطني . ودفن بالبقيع . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن له مرضعا تتم رضاعه في الجنة ) . وجميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة سوى إبراهيم . وكل أولاده ماتوا في حياته غير فاطمة .
وأما الإناث من أولاده فمنهن : فاطمة الزهراء بنت خديجة ، ولدتها وقريش تبني النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة بخمس سنين ، وهي أصغر بناته ، وتزوجها علي رضي الله عنهما في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ، وبنى بها في ذي الحجة . وقيل : تزوجها في رجب ، وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير ، وهي أول من لحقه من أهل بيته . رضى الله عنها . .
ومنهن : زينب - أمها خديجة - تزوجها ابن خالتها أبو العاصي بن الربيع ، وكانت أم العاصي هالة بنت خويلد أخت خديجة . واسم أبي العاصي لقيط . وقيل هاشم . وقيل هشيم وقيل مقسم . وكانت أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوفيت - ثمان من الهجرة ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها .
ومنهن : رقية - أمها خديجة - تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه : " تبت يدا أبي لهب " {[12914]} [ المسد : 1 ] قال أبو لهب لابنه : رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته ، ففارقها ولم يكن بنى بها . وسلمت حين أسلمت أمها خديجة ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء ، وتزوجها عثمان بن عفان ، وكانت نساء قريش يقلن حين تزوجها عثمان :
أحسنُ شخصين رأى إنسان *** رُقَيَّةٌ وبعلُها عثمانُ
وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين ، وكانت قد أسقطت من عثمان سقطا{[12915]} ، ثم ولدت بعد ذلك عبد الله ، وكان عثمان يكنى به في الإسلام ، وبلغ ست سنين فنقره ديك في وجهه فمات ، ولم تلد له شيئا بعد ذلك . وهاجرت إلى المدينة ومرضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر ، فخلف عثمان عليها ، فتوفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ، على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة . وقدم زيد بن حارثة بشيرا من بدر ، فدخل المدينة حين سوي التراب على بقية . ولم يشهد دفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم .
ومنهن : أم كلثوم - أمها خديجة - تزوجها عتيبة بن أبي لهب - أخو عتبة - قبل النبوة ، وأمره أبوه أن يفارقها للسبب المذكور في أمر رقية ، ولم يكن دخل بها ، حتى نزل بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وأسلمت حين أسلمت أمها ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخواتها حين بايعه النساء ، وهاجرت إلى المدينة حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما توفيت رقية تزوجها عثمان ، وبذلك سمي ذا النورين . وتوفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع من الهجرة . وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرها ، ونزل في حفرتها علي والفضل وأسامة . وذكر الزبير بن بكار أن أكبر ولد النبي صلى الله عليه وسلم : القاسم ، ثم زينب ، ثم عبد الله ، وكان يقال له الطيب والطاهر ، وولد بعد النبوة ومات صغيرا ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية . فمات القاسم بمكة ثم مات عبد الله .
الثانية- لما كانت عادة العربيات التبذل ، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء ، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن ، وتشعب الفكرة فيهن ، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن ، وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف - فيقع الفرق بينهن وبين الإماء ، فتعرف الحرائر بسترهن ، فيكف عن معارضتهن من كان عزبا أو شابا . وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار . يظن أنها أمة ، فتصيح به فيذهب ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت الآية بسبب ذلك . قال معناه الحسن وغيره .
الثالثة- قوله تعالى : " من جلابيبهن " الجلابيب جمع جلباب ، وهو ثوب أكبر من الخمار . وروى عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء . وقد قيل : إنه القناع . والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن . وفي صحيح مسلم عن أم عطية : قلت : يا رسول الله . إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : ( لتلبسها أختها من جلبابها ) .
الرابعة- واختلف الناس في صورة إرخائه ، فقال ابن عباس وزبيدة السلماني : ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها . وقال ابن عباس أيضا وقتادة : ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ، ثم تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه . وقال الحسن : تغطي نصف وجهها .
الخامسة- أمر الله سبحانه جميع النساء بالستر ، أو ذلك لا يكون إلا بما لا يصف جلدها ، إلا إذا كانت مع زوجها فلها أن تلبس ما شاءت ؛ لأن له أن يستمتع بها كيف شاء . ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال : ( سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن من يوقظ صواحب الحجر رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة ) . وروي أن دحية الكلبي لما رجع من عند هرقل فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قبطية ، فقال : ( اجعل صديعا لك قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به ) . والصديع النصف . ثم قال له : ( مرها تجعل تحتها شيئا لئلا يصف ) . وذكر أبو هريرة رقة الثياب للنساء فقال : الكاسيات العاريات الناعمات{[12916]} الشقيات . ودخل نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها عليهن ثياب رقاق ، فقالت عائشة : إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات ، وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعينه{[12917]} . وأدخلت امرأة عروس على عائشة رضي الله عنها وعليها خمار قبطي معصفر ، فلما رأتها قالت : لم تؤمن بسورة " النور " امرأة تلبس هذا . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) . وقال عمر رضي الله عنه : ما يمنع المرأة المسلمة إذ كانت لها حاجة أن تخرج في أطمارها{[12918]} أو أطمار جارتها مستخفية ، لا يعلم بها أحد حتى ترجع إلى بيتها .
السادسة- قوله تعالى : " ذلك أدنى أن يعرفن " أي الحراس ، حتى لا يختلط بالإماء ، فإذا عرفن لم يقابلن بأدنى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية ، فتنقطع الأطماع عنهن . وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى تعلم من هي . وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة ، محافظة على زي الحرائر . وقد قيل : إنه يجب الستر والتقنع الآن في حق الجميع من الحرائر والإماء . وهذا كما أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا النساء المساجد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) حتى قالت - عائشة رضي الله عنها : لو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا لمنعهن من الخروج إلى المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل . " وكان الله غفورا رحيما " تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل هذا الأمر المشروع .