هذه هي الجولة الأولى بلمساتها المتعددة . ثم تليها جولة ثانية بلمسة واحدة تعالج مشاعر القرابة ووشائجها المتأصلة ؛ والتي تشتجر في القلوب فتجرها جرا إلى المودة ؛ وتنسيها تكاليف التميز بالعقيدة :
( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم . يوم القيامة يفصل بينكم . والله بما تعملون بصير ) . .
إن المؤمن يعمل ويرجو الآخرة . يزرع هنا وينتظر الحصاد هناك . فلمسة قلبه بما يكون في الآخرة من تقطيع وشائج القربى كلها إذا تقطعت وشيجة العقيدة ، من شأنها أن تهون عنده شأن هذه الوشائج في فترة الحياة الدنيا القصيرة ؛ وتوجهه إلى طلب الوشيجة الدائمة التي لا تنقطع في دنيا ولا في آخرة :
ومن ثم يقول لهم : ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ) . . التي تهفون إليها وتتعلق قلوبكم بها ؛ وتضطركم إلى موادة أعداء الله وأعدائكم وقاية لها - كما حدث لحاطب في حرصه على أولاده وأمواله - وكما تجيش خواطر آخرين غيره حول أرحامهم وأولادهم الذين خلفوهم في دار الهجرة . لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم . ذلك أنه ( يوم القيامة يفصل بينكم ) . . لأن العروة التي تربطكم مقطوعة . وهي العروة التي لا رباط بغيرها عند الله .
( والله بما تعملون بصير ) . . مطلع على العمل الظاهر والنية وراءه في الضمير
ثم بين أن ما جعله بعضُ الصحابة من مودّتهم ( للمحافظة على الأهل والولد ) لا ينبغي أن يقدَّم على المصلحة العامة ، وأمور الدين فقال : { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ القيامة } ، لا ينفعكم شيء يوم القيامة ، لا قراباتكم ولا أولادكم ، لا ينفع المرءَ في ذلك اليومِ إلا العملُ الصالح والإخلاص في دينه وإيمانه ، واللهُ تعالى يفصِل بينكم يوم القيامة ، فيذهب أهلُ النار إلى النار ، وأهل الجنة إلى الجنة ، { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
قرأ عاصم : يفصل بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد . وقرأ حمزة والكسائي : يفصِّل بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد المشددة . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : يفصل بضم الياء وسكون الفاء وفتح الصاج مبنيا للمجهول . وقرأ ابن عامر : يفصل بضم الياء وفتح الفاء والصاد المشددة . فهذه أربع قراءات والمعنى واحد لأن الفعل فَصَل يَفصِل ، وفَصَّل يُفصِّل بمعنى واحد .
{ لَن تَنفَعَكُمْ أرحامكم } دفع لما عسى أن يتخيلوا كونه عذراً نافعاً من أن الداعي للاتخاذ وإلقاء المودّة صيانة الأرحام والأولاد من أذى أولئك ، والرحم في الأصل رحم المرأة ، واشتهر في القرابة حتى صار كالحقيقة فيها ، فإما أن يراد به ذلك أو يجعل مجازاً عن القريب ، أو يعتبر معه مضاف أي ذوو أرحامكم ، ويؤيد التأويل عطف قوله تعالى : { وَلاَ أولادكم } أي لن ينفعكم قراباتكم أو أقاربكم ولا أولادكم الذين توالون المشركين لأجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم { يَوْمُ القيامة } بدفع ضر أو جلب نفع { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } استئناف لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد يومئذ أي يفرق الله تعالى بينكم بما يكون من الهول الموجب لفرار كل منكم من الآخر حسبما نطق به قوله تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ } [ عبس : 34 ] الآية فلا ينبغي أن يرفض حق الله تعالى وتولى أعداؤه سبحانه لمن هذا شأنه ، وما أشرنا إليه من تعلق يو القيامة بالفعل قبله هو الظاهر ، وجوز تعلقه بيفصل بعده .
وقرأ حمزة . والكسائي . وابن وثاب يفصل بضم الياء وتشديد الصاد مبنياً للفاعل ، وقرأ أبو حيوة . وابن أبي عبلة كذلك إلا أنهما خففا ، وطلحة . والنخعي نفصل بالنون مضمومة والتشديد والبناء للفاعل ، وهما أيضاً . وزيد بن علي بالنون مفتوحة مخففاً مبنياً للفاعل ، وأبو حيوة أيضاً بالنون مضمومة .
وقرأ الأعرج . وعيسى . وابن عامر يفصل بالياء والتشديد والبناء للمفعول ، وجمهور القراء كذلك إلا أنهم خففوا ، ونائب الفعل إما { بَيْنِكُمْ } وهو مبني على الفتح لإضافته إلى متوغل في البناء كما قيل ، وإما ضمير المصدر المفهوم من الفاعل أي يفصل هو أي الفصل { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فيجازيكم به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.