( فقالوا : أبشرا منا واحدا نتبعه ? إنا إذن لفي ضلال وسعر . أألقي الذكر عليه من بيننا ? بل هو كذاب أشر . . )
وهي الشبهة المكرورة التي تحيك في صدور المكذبين جيلا بعد جيل : ( أألقي الذكر عليه من بيننا )? كما أنها هي الكبرياء الجوفاء التي لا تنظر إلى حقيقة الدعوة ، إنما تنظر إلى شخص الداعية : ( أبشرا منا واحدا نتبعه ? ) !
وماذا في أن يختار الله واحدا من عباده . . والله أعلم حيث يجعل رسالته . . فيلقي عليه الذكر - أي الوحي وما يحمله من توجيهات للتذكر والتدبر - ماذا في هذا الاختيار لعبد من عباده يعلم منه تهيؤه واستعداده . وهو خالق الخلق . وهو منزل الذكر ? إنها شبهة واهية لا تقوم إلا في النفوس المنحرفة . النفوس التي لا تريد أن تنظر في الدعوى لترى مقدار ما فيها من الحق والصدق ؛ ولكن إلى الداعية فتستكبر عن اتباع فرد من البشر ، مخافة أن يكون في اتباعها له إيثار وله تعظيم . وهي تستكبر عن الإذعان والتسليم .
ومن ثم يقولون لأنفسهم : أبشرا منا واحدا نتبعه ? إنا إذا لفي ضلال وسعر . . أي لو وقع منا هذا الأمر المستنكر ! وأعجب شيء أن يصفوا أنفسهم بالضلال لو اتبعوا الهدى ! وأن يحسبوا أنفسهم في سعر - لا في سعير واحد - إذا هم فاءوا إلى ظلال الإيمان !
قوله تعالى : { فقالوا أبشراً } آدمياً ، { منا واحداً نتبعه } ونحن جماعة كثيرة وهو واحد ، { إنا إذاً لفي ضلال } خطأ وذهاب عن الصواب ، { وسعر } قال ابن عباس : عذاب . وقال الحسن : شدة عذاب . وقال قتادة : عناء ، يقولون : إنا لفي عناء وعذاب مما يلزمنا من طاعته . قال سفيان بن عيينة : هو جمع سعير . وقال الفراء : جنون ، يقال ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هائمة على وجهها . وقال وهب : وسعر : أي : بعد عن الحق .
ثم علل ذلك وعقبه بقوله معلماً بالضمير أن المباشر بهذا الكفر رجالهم لئلا يظن أنهم نساء فقط : { فقالوا } منكرين لما جاءهم من الله غاية الإنكار : { أبشراً } إنكاراً لرسالة هذا النوع ليكون إنكار النبوة إنكاراً لنبوة نبيهم على أبلغ الوجوه ، وأعظم الإنكار بقولهم مقدمين عدم الانفراد عنهم لخصوصيته : { منا } أي فلا فضل له علينا فما وجه اختصاصه بذلك من بيننا ، وزادوا ذلك تأكيداً فقالوا : { واحداً } أي ليس معه من يؤيده ، ثم فسر الناصب لقوله : { بشراً } بقوله : { نتبعه * } أي نجاهد نفسنا في خلع مألوفنا وخلاف آبائنا والإقرار على أنفسنا بسخافة العقل والعراقة في الجهل ونحن أشد الناس كثرة وقوة وفهماً ودراية ، ثم استنتجوا عن هذا الإنكار الشديد قولهم مؤكدين الاستشعار بأن كلامهم أهل لأن يكذب : { إنا إذاً } أي إن اتبعناه { لفي ضلال } أي ذهاب عن الصواب محيط بنا { وسعر * } أي تكون عاقبتنا في ذلك الضلال الكون في أوائل أمر لا ندري عاقبته ، فإنه لم يجرب ولم يختبر ولم يمعن أحد قبلنا سلفاً لنا فيجرنا ذلك إلى جنون وجوع ونار كما يكون من يأتوه في القفار في أنواع من الحر بتوقد حر الجبال وحر الضلال وحر الهموم والأوجال - وذلك من النار التي توعدنا بها ، وهو معنى تفسير ابن عباس رضي الله عنهما له بالعذاب{[61760]} ، وجعل سفيان بن عيينه له جمع سعير ، والمعنى إنا نكون إذا اتبعناك كما تقول جامعين بين الضلال والعذاب بسائر أنواعه .
قوله : { فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه } الاستفهام للإنكار . فقد استنكروا لفرط جهالتهم وضلالهم أن يتبعوا واحدا من جنسهم . وهم يريدون بذلك أن يبعث الله إليهم نبيا من الملائكة وليس من البشر أو أنهم استنكروا إرسال واحد من أدناهم وليس من أشرفهم .
قوله : { إنا إذا لفي ضلال وسعر } السعر ، معناه الجنون . وقيل : العناء والعذاب{[4405]} يعني : إنا إذا اتبعنا واحدا من جنسنا أو من أدنانا حسبا وفضلا فإنا باتباعنا إياه لضالون مائلون عن الصواب وإنا لفي جنون أو شده وعذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.