في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرحمن مدنية وآياتها ثمان وسبعون

هذه السورة المكية ذات نسق خاص ملحوظ . إنها إعلان عام في ساحة الوجود الكبير ، وأعلام بآلاء الله الباهرة الظاهرة ، في جميل صنعه ، وإبداع خلقه ؛ وفي فيض نعمائه ؛ وفي تدبيره للوجود وما فيه ؛ وتوجه الخلائق كلها إلى وجهه الكريم . . وهي إشهاد عام للوجود كله على الثقلين : الإنس والجن المخاطبين بالسورة على السواء ، في ساحة الوجود ، على مشهد من كل موجود ، مع تحديهما إن كانا يملكان التكذيب بآلاء الله ، تحديا يتكرر عقب بيان كل نعمة من نعمه التي يعددها ويفصلها ، ويجعل الكون كله معرضا لها ، وساحة الآخرة كذلك .

ورنة الإعلان تتجلى في بناء السورة كله ، وفي إيقاع فواصلها . . تتجلى في إطلاق الصوت إلى أعلى ، وامتداد التصويت إلى بعيد ؛ كما تتجلى في المطلع الموقظ الذي يستثير الترقب والإنتظار لما يأتي بعد المطلع من أخبار . . الرحمن . . كلمة واحدة . مبتدأ مفردا . . الرحمن كلمة واحدة في معناها الرحمة ، وفي رنتها الإعلان ، والسورة بعد ذلك بيان للمسات الرحمة ومعرض لآلاء الرحمن .

ويبدأ معرض الآلاء بتعليم القرآن بوصفه المنة الكبرى على الإنسان . تسبق في الذكر خلق الإنسان ذاته وتعليمه البيان .

ثم يذكر خلق الإنسان ، ومنحه الصفة الإنسانية الكبرى . . البيان . .

ومن ثم يفتح صحائف الوجود الناطقة بآلاء الله . . الشمس والقمر والنجم والشجر والسماء المرفوعة . والميزان الموضوع . والأرض وما فيها من فاكهة ونخل وحب وريحان . والجن والإنس . والمشرقان والمغربان . والبحران بينهما برزخ لا يبغيان ، وما يخرج منهما وما يجري فيهما .

فإذا تم عرض هذه الصحائف الكبار . عرض مشهد فنائها جميعا . مشهد الفناء المطلق للخلائق ، في ظل الوجود المطلق لوجه الله الكريم الباقي . الذي إليه تتوجه الخلائق جميعا ، ليتصرف في أمرها بما يشاء .

وفي ظل الفناء المطلق والبقاء المطلق يجيء التهديد المروع والتحدي الكوني للجن والإنس : ( سنفرغ لكم أيها الثقلان . فبأي آلاء ربكما تكذبان . يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا . لا تنفذون إلا بسلطان . فبأي آلاء ربكما تكذبان ، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران . فبأي آلاء ربكما تكذبان ? ) . .

ومن ثم يعرض مشهد النهاية . مشهد القيامة . يعرض في صورة كونية . يرتسم فيها مشهد السماء حمراء سائلة ، ومشهد العذاب للمجرمين ، والثواب للمتقين في تطويل وتفصيل .

ثم يجيء الختام المناسب لمعرض الآلاء : ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ) . .

إن السورة كلها إعلان عام في ساحة الوجود الكبير . إعلان ينطلق من الملأ الأعلى ، فتتجاوب به أرجاء الوجود . ويشهده كل من في الوجود وكل ما في الوجود . .

( الرحمن ) . . . . . . . . . . .

هذا المطلع المقصود بلفظه ومعناه ، وإيقاعه وموسيقاه .

( الرحمن ) . . . . . . . . . . .

بهذا الرنين الذي تتجاوب أصداؤه الطليقة المديدة المدوية في أرجاء هذا الكون ، وفي جنبات هذا الوجود .

( الرحمن ) . . . . . . . . . . .

بهذا الإيقاع الصاعد الذاهب إلى بعيد ، يجلجل في طباق الوجود ، ويخاطب كل موجود ؛ ويتلفت على رنته كل كائن ، وهو يملأ فضاء السماوات والأرض ، ويبلغ إلى كل سمع وكل قلب . .

( الرحمن ) . . . . . . . . . . .

ويسكت . وتنتهي الآية . ويصمت الوجود كله وينصت ، في ارتقاب الخبر العظيم . بعد المطلع العظيم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرحمن مدنية وآياتها ثمان وسبعون ، نزلت بعد سورة الرعد . هذا قول الجمهور ، ويقول بعض العلماء : إنها مدنية هي وسورة الرعد ، والقرطبي يرجح أنها مكية . واختلفت المصاحف فبعضها يذكر أنها مكية ، وبعضها يذكر أنها مدنية . وهي بقصر آياتها ، ومعالجتها لأصول العقيدة الإسلامية أقرب لأن تكون مكية .

ولسورة الرحمن طابع خاص ، وأسلوب فريد متميز عن سائر السور ،

في رنينها ، وفواصلها وطريقة عرضها لآلاء الله الباهرة ، ونعمه المستفيضة ،

ثم تكرار قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } . وقد تكررت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة على طريقة القرآن الكريم في التكرار المستحسن الذي يقتضيه المقام ، في كل مرة فيها تقريع للمكذبين على تكذيبهم بنعم الله الواردة في الآية التي قبلها .

وقد ورد هذا التكرار في أساليب العرب في الشعر لمهلهِل يرثي أخاه كليبا ، وكذلك للشاعر الفارس الحارث بن عباد وغيرهم . والسورة تتحدى الفصحاء والبلغاء بهذا الأسلوب العجيب . ومع التحدي الواضح للإنس والجن ، فهي تعرض هذا الوجود عرضا سريعا ، وتتحدث عما فيه من مشاهد وعجائب ، ونعم ، عن خلْق الإنسان من صلصال كالفخار ، وخلق الجان من مارج من نار ، وكيف مرج البحرين ، ويخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ، وكيف تسير السفن بقدرته وأمره ، وأن كل من على هذه الأرض فان ، { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } .

وقد بدأت السورة في تعداد نعم الله بعد ذكر أشرف نعمة ، وهي تعليم القرآن الكريم ، ثم سارت توضح عظمة خالق هذا الكون وما فيه من نعم ، وتبرز قدرته وسلطانه على الثقلين : الإنس والجن ، في السموات والأرض . ثم عرضت لعذاب المجرمين المكذبين في جهنم ، وأفاضت في نعيم المتقين في الجنة . وأخيرا ختمت السورة بتنزيه الله تعالى والثناء عليه { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } .

وقد روى البيهقي في الشعب عن علي كرم الله وجهه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لكل شيء عروس ، وعروس القرآن الرحمن .

الرحمن : اسمٌ من أسماء الله الحسنى لا يجوز أن يسمّى به غيره .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الرحمن

مدنية وآياتها ثمان وسبعون

قوله تعالى : { الرحمن } نزلت حين قالوا : وما الرحمن ؟ وقيل : هو جواب لأهل مكة حين قالوا : إنما يعلمه بشر .

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

مكية كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس : إلا آية منها هي قوله تعالى : " يسأله من في السماوات والأرض " [ الرحمن : 29 ] الآية . وهي ست وسبعون آية . وقال ابن مسعود ومقاتل : هي مدنية كلها . والقول الأول أصح لما روى عروة بن الزبير قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ، وذلك أن الصحابة قالوا : ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط ، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال ابن مسعود : أنا ، فقالوا : إنا نخشى عليك ، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه ، فأبى ثم قام عند المقام فقال : " بسم الله الرحمن الرحيم . الرحمن . علم القرآن " [ الرحمن :2 ] ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها ، فتأملوا وقالوا : ما يقول ابن أم عبد ؟ قالوا : هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه ، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه . وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي الصبح بنخلة ، فقرأ سورة " الرحمن " ومر النفر من الجن فأمنوا به . وفي الترمذي عن جابر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة " الرحمن " من أولها إلي آخرها فسكتوا ، فقال : ( لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " [ الرحمن : 13 ] قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ) قال : هذا حديث غريب . وفي هذا دليل على أنها مكية والله أعلم . وروي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اتل علي مما أنزل عليك ، فقرأ عليه سورة " الرحمن " فقال : أعدها ، فأعادها ثلاثا ، فقال : والله إن له لطلاوة ، وإن عليه لحلاوة ، وأسفله لمغدق ، وأعلاه مثمر ، وما يقول هذا بشر ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . وروي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن ) .

قوله تعالى : " الرحمن ، علم القرآن " قال سعيد بن جبير وعامر الشعبي : " الرحمن " فاتحة ثلاث سور إذا جمعن كن اسما من أسماء الله تعالى " الر " و " حم " و " ن " فيكون مجموع هذه " الرحمن " .

   
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلرَّحۡمَٰنُ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية ، وآياتها ثماني وسبعون . وهي تتجلى فيها جملة من السمات التي تفيض عليها بسحائب كثاف من مباهج الجمال ، وروعة البناء والتركيب ، فضلا عن عجائب المضمون والمعنى الذي يتخلل السورة من أولها إلى آخرها .

وفي السورة من عجائب النظم وزاهر النغم والإيحاء ما يثير في نفس القارئ المتدبر أو السامع المتفكر فيضا من التّملي والبهجة مما يشده إلى معاودة التلاوة في تكرار مستديم ، لا تجد فيه النفس شيئا من ملال أو سأم كالذي يقع للمرء في تكرار أيما كتاب آخر . وهذه واحدة من ظواهر الإعجاز في هذا الكتاب الحكيم .

ويتجلى في السورة آية خاصة مميزة مكرورة يقرأها المتدبر باستمرار مستديم ، فلا يسأم أو يضجر أو يعاف ، بل يستأنس ويبهج ويتلذذ مما يجده في نفسه من إيحاء مثير .

على أن السورة مبدوءة باسم أعظم من أسماء الله وهو " الرحمان " وفي ذلك ما لا يخفى من الإشارة إلى رحمة الله الكبرى . الرحمة الواسعة الفضلى التي تتجلى وتتسع لتشمل الكون كله .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ الرحمان 1 علم القرآن 2 خلق الإنسان3 علمه البيان 4 الشمس والقمر بحسبان 5 والنجم والشجر يسجدان 6 والسماء رفعها ووضع الميزان 7 ألا تطغوا في الميزان 8 وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان 9 والأرض وضعها للأنام 10 فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام 11 والحب ذو العصف والريحان 12 فبأي آلاء ربكما تكذبان } .

يعدد الله نعمه على الخلق في السورة كلها . وهي نعم دنيوية وأخروية كثيرة مصدّرة بذكر الرحمان . فهو سبحانه رؤوف بعباده رحيم بالخلق جميعا . والرحمان ، مبتدأ ، وخبره ما بعده من الأفعال مع ضمائرها .

ثم ذكر الله ما هو أصل النعم وأكرمها وأعظمها ، وأشرف ما عرف الكون من حقائق وأشياء ، وذلكم هو القرآن ، وهو قوله : { علم القرآن } .