ثم نعيش في ظلال النصوص القرآنية التي تضمنت تلك الأحداث :
( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ، ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ) . .
فهم يفعلون الفعلة ، ويطلقون القولة . فإذا عرفوا أنها بلغت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] جبنوا وتخاذلوا وراحوا يقسمون بالأيمان يتخذونها جنة . فإذا قال لهم قائل : تعالوا يستغفر لكم رسول الله ، وهم في أمن من مواجهته ، لووا رؤوسهم ترفعا واستكبارا ! وهذه وتلك سمتان متلازمتان في النفس المنافقة . وإن كان هذا التصرف يجيء عادة ممن لهم مركز في قومهم ومقام . ولكنهم هم في ذوات أنفسهم أضعف من المواجهة ؛ فهم يستكبرون ويصدون ويلوون رؤوسهم ما داموا في أمان من المواجهة . حتى إذا ووجهوا كان الجبن والتخاذل والأيمان !
لوَّوا رؤوسهم : أمالوها استهزاء .
ولما افتضح أمرهم ونزل القرآن بصفتهم ، جاءهم أقرباؤهم ، وقالوا لهم : افتضحتم بالنفاق ، فتوبوا إلى الله واذهبوا إلى الرسول واطلبوا أن يستغفر لكم ، فأمالوا رؤوسهم استهزاءً واستكبارا ، ولم يقبلوا ذلك .
قرأ نافع : لووا رؤوسهم بفتح الواو الأولى بلا تشديد ، والباقون : لووا رؤوسهم بتشديد الواو الأولى المفتوحة .
{ وَإِذَا قِيلَ } لهؤلاء المنافقين { تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ } عما صدر منكم ، لتحسن أحوالكم ، وتقبل أعمالكم ، امتنعوا من ذلك أشد الامتناع ، و { لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ } امتناعًا من طلب الدعاء من الرسول ، { وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ } عن الحق بغضًا له { وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } عن اتباعه بغيًا وعنادًا ، فهذه حالهم عندما يدعون إلى طلب الدعاء من الرسول ، وهذا من لطف الله وكرامته لرسوله ، حيث لم يأتوا إليه ، فيستغفر لهم .
{ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } أي عطفوا وأعرضوا بوجوههم رغبةً عن الاستغفار . قرأ نافع ويعقوب { لووا } بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد ، لأنهم فعلوها مرة بعد مرة . { ورأيتهم يصدون } يعرضون عما دعوا إليه ، { وهم مستكبرون } متكبرون عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم .
ولما كان هذا أمراً عظيماً قاطعاً عن الله ورسوله فيحتاج فاعله حاجة شديدة إلى التطهير وهو جدير بعظمه أن لا يطهره غاية الطهر إلا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا لم يفعلوا ذلك ، دل على سوء بواطنهم وغلظ أكبادهم وأنهم{[65500]} كالخشب المسندة في أنهم لا ثمرة لهم ولا زكاء أصلاً بقوله : { وإذا قيل لهم } أي{[65501]} من أيّ قائل كان : { تعالوا } أي ارفعوا أنفسكم مجتهدين في ذلك بالمجيء إلى أشرف الخلق الذي لا يزال مكانه{[65502]} عالياً لعلو مكانته{[65503]} { يستغفر لكم } أي يطلب الغفران لأجلكم خاصة بعد أن تتولوا من ذنبكم{[65504]} من أجل هذا الكذب الذي أنتم مصرون عليه . ولما تقدم عاملان ، أعمل الثاني منهما {[65505]}كما هو المختار{[65506]} من مذهب البصريين فرفع قوله : { رسول الله } أي أقرب الخلق إلى الملك الأعظم الذي لا شبيه لجوده { لووا رؤوسهم } أي فعلوا{[65507]} اللي بغاية الشدة والكثرة ، وهو الصرف إلى جهة أخرى إعراضاً وعتواً وإظهاراً للبغض والنفرة ، وبالغوا فيه مبالغة تدل على أنهم مغلوبون عليه لشدة ما في بواطنهم{[65508]} من المرض { ورأيتهم } أي بعين البصيرة { يصدون } أي يعرضون إعراضاً قبيحاً عما دعوا إليه مجددين لذلك كلما دعوا إليه ، والجملة في موضع المفعول الثاني لرأيت { وهم مستكبرون * } أي ثابتو الكبر عمن دعوا إليه وعن إحلال أنفسهم في محل الاعتذار ، فهم لشدة غلظتهم لا يدركون قبح ما هم عليه ولا يهتدون إلى دوائه ، وإذا أرشدهم غيرهم ونبههم لا ينبهون ، فقد روي أنه لما نزل القرآن فيهم أتاهم عشائرهم من المؤمنين وقالوا : ويحكم افتضحتم وأهلكتم أنفسكم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولوا إليه واسألوه أن يستغفر لكم ، فأبوا ذلك فأنزل الله هذه الآية ، وروي{[65509]} أن{[65510]} ابن أبي رأسهم لوى رأسه وقال لهم : أشرتم علي بالإيمان فآمنت وأشرتم عليّ بأن أعطي زكاة مالي ففعلت ، ولم يبق إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد .
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ( 5 ) }
وإذا قيل لهؤلاء المنافقين : أقبلوا تائبين معتذرين عمَّا بدر منكم من سيِّئ القول وسفه الحديث ، يستغفر لكم رسول الله ويسأل الله لكم المغفرة والعفو عن ذنوبكم ، أمالوا رؤوسهم وحركوها استهزاءً واستكبارًا ، وأبصرتهم -يا محمد- يعرضون عنك ، وهم مستكبرون عن الامتثال لما طُلِب منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.