في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

سورة قريش مكية وآيتها أربع

استجاب الله دعوة خليله إبراهيم ، وهو يتوجه إليه عقب بناء البيت وتطهيره : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) . . فجعل هذا البيت آمنا ، وجعله عتيقا من سلطة المتسلطين وجبروت الجبارين ؛ وجعل من يأوي إليه آمنا والمخافة من حوله في كل مكان . . حتى حين انحرف الناس وأشركوا بربهم وعبدوا معه الأصنام . . لأمر يريده سبحانه بهذا البيت الحرام .

ولما توجه أصحاب الفيل لهدمه كان من أمرهم ما كان ، مما فصلته سورة الفيل . وحفظ الله للبيت أمنه ، وصان حرمته ؛ وكان من حوله كما قال الله فيهم : ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ? ) .

وقد كان لحادث الفيل أثر مضاعف في زيادة حرمة البيت عند العرب في جميع أنحاء الجزيرة ، وزيادة مكانة أهله وسدنته من قريش ، مما ساعدهم على أن يسيروا في الأرض آمنين ، حيثما حلوا وجدوا الكرامة والرعاية ، وشجعهم على إنشاء خطين عظيمين من خطوط التجارة - عن طريق القوافل - إلى اليمن في الجنوب ، وإلى الشام في الشمال . وإلى تنظيم رحلتين تجاريتين ضخمتين : إحداهما إلى اليمن في الشتاء ، والثانية إلى الشام في الصيف .

ومع ما كانت عليه حالة الأمن في شعاب الجزيرة من سوء ؛ وعلى ما كان شائعا من غارات السلب والنهب ، فإن حرمة البيت في أنحاء الجزيرة قد كفلت لجيرته الأمن والسلامة في هذه التجارة المغرية ، وجعلت لقريش بصفة خاصة ميزة ظاهرة ؛ وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول ، في أمان وسلام وطمأنينة . وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين ، فصارتا لهم عادة وإلفا !

هذه هي المنة التي يذكرهم الله بها - بعد البعثة - كما ذكرهم منة حادث الفيل في السورة السابقة ، منة إيلافهم رحلتي الشتاء والصيف ، ومنة الرزق الذي أفاضه عليهم بهاتين الرحلتين - وبلادهم قفرة جفرة وهم طاعمون هانئون من فضل الله . ومنة أمنهم الخوف . سواء في عقر دارهم بجوار بيت الله ، أم في أسفارهم وترحالهم في رعاية حرمة البيت التي فرضها الله وحرسها من كل اعتداء .

يذكرهم بهذه المنن ليستحيوا مما هم فيه من عبادة غير الله معه ؛ وهو رب هذا البيت الذي يعيشون في جواره آمنين طاعمين ؛ ويسيرون باسمه مرعيين ويعودون سالمين . .

يقول لهم : من أجل إيلاف قريش : رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة ، وتنال من ورائها ما تنال ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع ) . . وكان الأصل - بحسب حالة أرضهم - أن يجوعوا ، فأطعمهم الله وأشبعهم من هذا الجوع ( وآمنهم من خوف ) . . وكان الأصل - بحسب ما هم فيه من ضعف وبحسب حالة البيئة من حولهم - أن يكونوا في خوف فآمنهم من هذا الخوف !

وهو تذكير يستجيش الحياء في النفوس . ويثير الخجل في القلوب . وما كانت قريش تجهل قيمة البيت وأثر حرمته في حياتها . وما كانت في ساعة الشدة والكربة تلجأ إلا إلى رب هذا البيت وحده . وها هو ذا عبد المطلب لا يواجه أبرهة بجيش ولا قوة . إنما يواجهه برب هذا البيت الذي يتولى حماية بيته ! لم يواجهه بصنم ولا وثن ، ولم يقل له . . إن الآلهة ستحمي بيتها . إنما قال له : " أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه " . . ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند منطق ، ولا يثوب إلى حق ، ولا يرجع إلى معقول .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

{ رحلة الشتاء والصيف } : رحلة التجارة التي كانوا يقومون بها إلى اليمن والشام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن ، والصيف للشام ، لأجل التجارة والمكاسب .

فأهلك الله من أرادهم بسوء ، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب ، حتى احترموهم ، ولم يعترضوا لهم في أي : سفر أرادوا .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

قوله تعالى : { إيلافهم رحلة الشتاء والصيف }

قرأ مجاهد وحميد " إلفهم " ساكنة اللام بغير ياء . وروي نحوه عن ابن كثير . وكذلك روت أسماء أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ " إلفهم " . وروي عن ابن عباس وغيره . وقرأ أبو جعفر والوليد عن أهل الشام وأبو حيوة " إلافهم " مهموزا مختلسا بلا ياء . وقرأ أبو بكر عن عاصم " إئلافهم " بهمزتين : الأولى مكسورة والثانية ساكنة . والجمع بين الهمزتين في الكلمتين شاذ . الباقون " إيلافهم " بالمد والهمز ، وهو الاختيار ، وهو بدل من الإيلاف الأول للبيان . وهو مصدر آلف : إذا جعلته يألف . وألف هو إلفا ، على ما تقدم ذكره من القراءة ، أي وما قد ألفوه من رحلة الشتاء والصيف . روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى : { إيلافهم رحلة الشتاء والصيف } قال : لا يشق عليهم رحلة شتاء ولا صيف ، مِنةً منهُ على قريش . وقال الهروي وغيره : وكان أصحاب الإيلاف أربعة إخوة : هاشم ، وعبد شمس ، والمطلب ، ونوفل بنو عبد مناف . فأما هاشم فإنه كان يؤلف ملك الشام ، أي أخذ منه حبلا وعهدا يأمن به في تجارته إلى الشام . وأخوه عبد شمس كان يؤلف إلى الحبشة . والمطلب إلى اليمن ، ونوفل إلى فارس . ومعنى يؤلف يجير . فكان هؤلاء الإخوة يسمون المجيرين . فكان تجار قريش يختلفون إلى الأمصار بحبل هؤلاء الإخوة ، فلا يتعرض لهم . قال الزهري : الإيلاف : شبه الإجارة بالخفارة{[16441]} ؛ يقال : آلف يؤلف : إذا أجار الحمائل بالخفارة . والحمائل : جمع حمولة{[16442]} . قال : والتأويل : أن قريشا كانوا سكان الحرم ، ولم يكن لهم زرع ولا ضرع ، وكانوا يميرون في الشتاء والصيف آمنين ، والناس يُتَخطفون من حولهم ، فكانوا إذا عرض لهم عارض قالوا : نحن أهل حرم الله ، فلا يتعرض الناس لهم . وذكر أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا في تفسيره : حدثنا سعيد بن محمد ، عن بكر بن سهل الدمياطي ، بإسناده إلى ابن عباس ، في قول الله عز وجل : { لإيلاف قريش } إلفهم رحلة الشتاء والصيف . وذلك أن قريشا كانوا إذا أصابت واحدا منهم{[16443]} مخمصة ، جرى هو وعياله إلى موضع معروف ، فضربوا على أنفسهم خباء فماتوا ، حتى كان عمرو بن عبد مناف ، وكان سيد زمانه ، وله ابن يقال له أسد ، وكان له ترب{[16444]} من بني مخزوم ، يحبه ويلعب معه . فقال له : نحن غدا نعتفد ، قال ابن فارس : هذه لفظة في هذا الخبر لا أدري : بالدال هي أم بالراء ، فإن كانت بالراء فلعلها من العفر ، وهو التراب ، وإن كان بالدال ، فما أدري معناها{[16445]} ، وتأويله على ما أظنه : ذهابهم إلى ذلك الخباء ، وموتهم واحدا بعد واحد . قال : فدخل أسد على أمه يبكي ، وذكر ما قاله تربه . قال : فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق ، فعاشوا به أياما . ثم إن تربه أتاه أيضا فقال : نحن غدا نعتفد ، فدخل أسد على أبيه يبكي ، وخبره خبر تربه ، فاشتد ذلك على عمرو بن عبد مناف ، فقام خطيبا في قريش وكانوا يطيعون أمره ، فقال : إنكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتكثر العرب ، وتذلون وتعز العرب ، وأنتم أهل حرم الله جل وعز ، وأشرف ولد آدم ، والناس لكم تبع ، ويكاد هذا الاعتفاد يأتي عليكم . فقالوا : نحن لك تبع . قال : ابتدئوا بهذا الرجل - يعني أبا ترب أسد - فأغنوه عن الاعتفاد ، ففعلوا . ثم إنه نحر البدن ، وذبح الكباش والمعز ، ثم هشم الثريد ، وأطعم الناس ، فسمي هاشما . وفيه قال الشاعر :

عمرو الذي{[16446]} هشم الثريد لقومه *** ورجال مكة مُسْنِتُونَ{[16447]} عجافُ

ثم جمع كل بني أب على رحلتين : في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام للتجارات ، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير ، حتى صار فقيرهم كغنيهم ، فجاء الإسلام وهم على هذا ، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالا ولا أعز من قريش ، وهو قول شاعرهم :

والخالطون فقيرهم بغنيهم *** حتى يصير فقيرهم كالكافي

فلم يزالوا كذلك حتى بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فقال : { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع } بصنيع هاشم{ وآمنهم من خوف } أن تكثر العرب ويقلوا .

قوله تعالى : { رحلة الشتاء والصيف } " رحلة " نصب بالمصدر ، أي ارتحالهم رحلة ، أو بوقوع " إيلافهم " عليه ، أو على الظرف . ولو جعلتها في محل الرفع ، على معنى هما رحلة الشتاء والصيف ، لجاز ، والأول أولى . والرحلة الارتحال . وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء ؛ لأنها بلاد حامية ، والرحلة الأخرى في الصيف إلى الشام ، لأنها بلاد باردة . وعن ابن عباس أيضا قال : كانوا يشتون بمكة لدفئها ، ويصيفون بالطائف لهوائها . وهذه من أجل النعم أن يكون للقوم ناحية حر تدفع عنهم برد الشتاء ، وناحية برد تدفع عنهم حر الصيف ، فذكرهم الله تعالى هذه النعمة . وقال الشاعر :

تَشْتِي بمكة نعمة *** ومصيفها بالطائف

وهنا أربع مسائل :

الأولى : اختار القاضي أبو بكر بن العربي وغيره من العلماء : أن قوله تعالى : { لإيلاف } متعلق بما قبله . ولا يجوز أن يكون متعلقا بما بعده ، وهو قوله تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت } قال : وإذا ثبت أنه متعلق بالسورة الأخرى ، وقد قطع عنه بكلام مبتدأ ، واستئناف بيان وسطر " بسم الله الرحمن الرحيم " فقد تبين جواز الوقف في القراءة{[16448]} للقراء قبل تمام الكلام ، وليست المواقف التي ينتزع{[16449]} بها القراء شرعا عن النبي صلى الله عليه وسلم مرويا ، وإنما أرادوا به تعليم الطلبة المعاني ، فإذا علموها وقفوا حيث شاءوا . فأما الوقف عند انقطاع النفس فلا خلاف فيه ، ولا تُعدْ ما قبله إذا اعتراك ذلك ، ولكن ابدأ من حيث وقف بك نفسك . هذا رأيي فيه ، ولا دليل على ما قالوه بحال ، ولكني أعتمد الوقف على التمام ، كراهية الخروج عنهم .

قلت : ومن الدليل على صحة هذا ، قراءة النبي صلى الله عليه وسلم{ الحمد لله رب العالمين } ثم يقف . { الرحمن الرحيم } ثم يقف . وقد مضى في مقدمة الكتاب{[16450]} . وأجمع المسلمون أن الوقف عند قوله : { كعصف مأكول } [ الفيل : 5 ] ليس بقبيح . وكيف يقال : إنه قبيح ، وهذه السورة تقرأ في الركعة الأولى ، والتي بعدها في الركعة الثانية ، فيتخللها من قطع القراءة أركان ، وليس أحد من العلماء يكره ذلك ، وما كانت العلة فيه إلا أن قوله تعالى : { فجعلهم كعصف مأكول } [ الفيل : 5 ] انتهاء آية . فالقياس على ذلك ألا يمتنع الوقف عند أعجاز الآيات سواء كان الكلام يتم ، والغرض ينتهي ، أو لا يتم ولا ينتهي . وأيضا فإن الفواصل حلية وزينة للكلام المنظوم ، ولولاها لم يتبين المنظوم من المنثور . ولا خفاء أن الكلام المنظوم أحسن ، فثبت بذلك أن الفواصل من محاسن المنظوم ، فمن أظهر فواصله بالوقوف عليها فقد أبدى محاسنه ، وترك الوقوف يخفي تلك المحاسن ، ويشبه المنثور بالمنظوم ، وذلك إخلال بحق المقروء .

الثانية : قال مالك : الشتاء نصف السنة ، والصيف نصفها ، ولم أزل أرى ربيعة ابن أبي عبد الرحمن{[16451]} ومن معه ، لا يخلعون عمائمهم حتى تطلع الثريا ، وهو يوم التاسع عشر من بشنس ، وهو يوم خمسة وعشرين من عدد{[16452]} الروم أو الفرس . وأراد{[16453]} بطلوع الثريا أن يخرج السعاة ، ويسير الناس بمواشيهم إلى مياههم ، وأن طلوع الثريا أول{[16454]} الصيف ودبر الشتاء . وهذا مما لا خلاف فيه بين أصحابه عنه . وقال عنه أشهب وحده : إذا سقطت الهقعة{[16455]} نقص الليل ، ، فلما جعل طلوع الثريا أول الصيف ، وجب أن يكون له في مطلق السنة ستة أشهر ، ثم يستقبل الشتاء من بعد ذهاب الصيف ستة أشهر . وقد سئل محمد بن عبد الحكم عمن حلف ألا يكلم أمرأ حتى يدخل الشتاء ؟ فقال : لا يكلمه حتى يمضي سبعة عشر من هاتور . ولو قال يدخل الصيف ، لم يكلمه حتى يمضى سبعة عشر من بشنس . قال القرظي : أما ذكر هذا عن محمد في بشنس ، فهو سهو ، إنما هو تسعة عشر من بشنس ؛ لأنك إذ حسبت المنازل على ما هي عليه ، من ثلاث عشرة ليلة كل منزلة ، علمت أن ما بين تسع عشرة من هاتور لا تنقضي منازل إلا بدخول تسع عشرة من بشنس . والله أعلم .

الثالثة : قال قوم : الزمان أربعة أقسام : شتاء ، وربيع ، وصيف ، وخريف . وقال قوم : هو شتاء ، وصيف ، وقيظ ، وخريف . والذي قاله مالك أصح ؛ لأن الله قسم الزمان قسمين{[16456]} ولم يجعل لهما ثالثا .

الرابعة : لما امتن الله تعالى على قريش برحلتين ، شتاء وصيفا ، على ما تقدم ، كان فيه دليل على جواز تصرف الرجل في الزمانين بين محلين ، يكون حالهما في كل زمان أنعم من الآخر ، كالجلوس في المجلس البحري في الصيف ، وفي القبلي في الشتاء ، وفي اتخاذ البادهنجات{[16457]} والخيش للتبريد ، واللبد واليانوسة{[16458]} للدفء .


[16441]:في بعض نسخ الأصل: "الإجارة والخفارة" ولم تجد هذا في كتاب التهذيب للأزهري ولا في غيره من كتب اللغة. والإجارة: الإغاثة والحماية. والخفارة (مثلثة الخاء) : الأمان.
[16442]:الحمولة (بالفتح): الإبل التي تحمل.
[16443]:المخمصة: المجاعة.
[16444]:الترب (بالكسر): اللدة ومساويك في السن ومن ولد معك.
[16445]:في اللسان مادة عفد: "الإعتفاد: أن يغلق الرجل بابه على نفسه، فلا يسأل أحدا حتى يموت جوعا".
[16446]:في اللسان: "عمرو العلا....".
[16447]:مسنتون: أي أصابتهم السنة. والسنة: الجدب والقحط.
[16448]:في ابن العربي: "في القرآن".
[16449]:في ابن العربي: "تنتزع".
[16450]:راجع جـ 1 ص 10 فما بعد.
[16451]:هو ربيعة الرأي، أدرك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأكابر من التابعين، وكان صاحب الفتوى بالمدينة، وعنه أخذ مالك بن أنس وغيره. توفي سنة 136هـ.
[16452]:كذا في الأصول وابن العربي. أي من عدد شهورهم.
[16453]:كذا في ابن العربي. وفي نسخ الأصل: "وأرى".
[16454]:في ابن العربي: "قبل الصيف".
[16455]:الهقعة: ثلاثة كواكب نيرة قريب بعضها من بعض، فوق منكب الجوزاء، وهي منزل من منازل القمر.
[16456]:في الأصول: "لأن قسمة الله للزمان قسمين، ولم يجعل لهما ثالثا" و هي غير مستقيمة. وفي ابن العربي "لأجل قسمة الله الزمان قسمين ... الخ".
[16457]:في كتاب شفاء العليل للشهاب الخفاجى: "البادهنج" معرب بادخون أوبادكير، منفذ للهواء في سقف البيت.
[16458]:في ابن العربي: "اليانوس". ولم نجد في المعاجم العربية هذه المادة.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

{ لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف } قريش هم حي من عرب الحجاز الذين هم من ذرية معد بن عدنان ، إلا أنه لا يقال قريشي إلا لمن كان من ذرية النضر بن كنانة ، وهم ينقسمون إلى أفخاذ وبيوت ، نحو بني هاشم وبني أمية وبني مخزوم وغيرهم . وإنما سميت القبيلة قريشا لتقرشهم ، والتقرش التكسب ، وكانوا تجارا . وعن معاوية أنه سأل ابن عباس : لم سميت قريش قريشا ؟ قال : لدابة في البحر تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، وكانوا ساكنين بمكة ، وكان لهم رحلتان في كل عام للتجارة : رحلة في الشتاء إلى اليمن ، ورحلة في الصيف إلى الشام . وقيل : كانت الرحلتان جميعا إلى الشام ، وقيل : كانوا يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث الماء والظل ، فيقيمون بها ، ويرحلون في الشتاء إلى مكة لسكناهم بها ، والإيلاف مصدر من قولك : آلفت المكان إذا ألفته ، وقيل : هو منقول منه بالهمزة ، يقال : ألف الرجل الشيء وألفه إياه غيره ، فالمعنى على القول الأول أن قريشا ألفوا رحلة الشتاء والصيف ، وعلى الثاني أن الله ألفهم الرحلتين ، واختلف في تعلق قوله : { لإيلاف قريش } على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يتعلق بقوله : { فليعبدوا } الله من أجل إيلافهم الرحلتين ، فإن ذلك نعمة من الله عليهم . الثاني : أنه يتعلق بمحذوف تقديره اعجبوا لإيلاف قريش .

الثالث : أنه يتعلق بسورة الفيل ، والمعنى أن الله أهلك أصحاب الفيل لإيلاف قريش ، فهو يتعلق بقوله : { فجعلهم } أو بما قبله من الأفعال ، ويؤيد هذا أن السورتين في مصحف أبي بن كعب سورة واحدة لا فصل بينهما ، وقد قرأهما عمر في ركعة واحدة من المغرب ، وذكر الله الإيلاف أولا مطلقا ، ثم أبدل منه الإيلاف المقيد بالرحلتين تعظيما للأمر ، ونصب رحلة ؛ لأنه مفعول بإيلافهم ، وقال : رحلة ، وأراد رحلتين ، فهو كقول الشاعر :

كلوا في بعض بطنكم تعفوا *** . . .