في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

ويعقب على هذا التطاول والتكذيب بالزجر والردع : ( كلا ! )ليس كما يقولون . .

ثم يكشف عن علة هذا التطاول وهذا التكذيب ؛ وهذه الغفلة عن الحق الواضح وهذا الانطماس في قلوب المكذبين :

( بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) . .

أي غطى على قلوبهم ما كانوا يكسبونه من الإثم والمعصية . والقلب الذي يمرد على المعصية ينطمس ويظلم ؛ ويرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه ويحجبه عن النور ، ويفقده الحساسية شيئا فشيئا حتى يتبلد ويموت . .

روى ابن جرير والترمذي والنسائي وابن ماجة من طرق ، عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه . فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت " . . وقال الترمذي حسن صحيح . ولفظ النسائي : " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء . فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه ، فهو الران الذي قال الله تعالى : ( كلا ! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) . . "

وقال الحسن البصري : هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت . .

ذلك حال الفجار المكذبين . وهذه هي علة الفجور والتكذيب . . ثم يذكر شيئا عن مصيرهم في ذلك اليوم العظيم . يناسب علة الفجور والتكذيب :

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

ران على قلبِه : غطى عليه .

ثم بيّن الله تعالى أن الذي جرّأَهم على الجحود والتمادي في الإصرار على الإنكار والكفر هي أفعالهم القبيحة التي مَرَنوا عليها حتى صاروا لا يميزون بين الخُرافة والحجّة الدامغة فقال : { كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .

ليس القرآنُ والبعثُ والجزاء من الأساطيرِ والخرافات ، بل عَمِيَتْ قلوبُهم وغطّت عليها أفعالُهم وتماديهم في الباطل ، فطُمسَ على بصائرهم ، والتبست عليهم الأمورُ ولم يدركوا الفرقَ بين الصحيح والباطل .

بعد ذلك ردت عليهم السورة ناقضةً ما كانوا يقولون من أن لهم المنزلة والكرامة يوم القيامة .

قراءات :

قرأ حفص : بل ران بإظهار لام بل ، وقرأ الباقون : بل رّان بإدغام اللام بالراء ، وقرأ أهل الكوفة : رِين بالإمالة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

وأما من أنصف ، وكان مقصوده الحق المبين ، فإنه لا يكذب بيوم الدين ، لأن الله قد أقام عليه من الأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة ، ما يجعله حق اليقين ، وصار لقلوبهم مثل الشمس للأبصار{[1382]} ، بخلاف من ران على قلبه كسبه ، وغطته معاصيه ، فإنه محجوب عن الحق .


[1382]:- في ب: وصار لبصائرهم بمنزلة الشمس للأبصار.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

وقوله { كلا بل ران على قلوبهم } أي غلب عليها حتى غمرها وغشيها { ما كانوا يكسبون } من المعاصي وهو كالصدأ يغشى القلب

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

ولما كان هذا قد صار كالأنعام في عدم النظر بل هو أضل سبيلاً لأنه قادر على النظر دونها{[72190]} ، قال رادعاً له ومكذباً ومبيناً لما أدى به إلى هذا القول وهو لا يعتقده : { كلا } أي ليرتدع ارتداعاً عظيماً ولينزجر انزجاراً شديداً ، فليس الأمر كما قال في المتلو ولا هو-{[72191]} معتقد{[72192]} له اعتقاداً جازماً لأنه لم يقله عن بصيرة { بل ران } أي غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم للسماء والصدأ للمرآة ، وجمع اعتباراً بمعنى " كل " لئلا يتعنت متعنت ، فقال معبراً بجمع الكثرة إشارة إلى كثرتهم : { على قلوبهم } أي كل من قال هذا القول { ما كانوا } أي{[72193]} بجبلاتهم الفاسدة { يكسبون * } أي يجددون كسبه مستمرين عليه من الأعمال الردية ، فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات إن خيراً فخيراً{[72194]} وإن شراً فشراً{[72195]} ، فيتراكم الذنب على القلب فيسود ، فلذلك كانوا يقولون مثل هذا الاعتقاد ، بل هو شيء يسدون به المجلس ويقيمون لأنفسهم عند العامة المعاذير ويفترون به عزائم التالين بما{[72196]} يحرقون من{[72197]} قلوبهم - أحرق الله قلوبهم وبيوتهم بالنار - فإنهم لا ينقطعون في عصر من الأعصار ولا يخشون من عار ولا شنار ، روى أحمد{[72198]} والترمذي{[72199]} وابن ماجه{[72200]} عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أذنب العبد نكتت{[72201]} في قلبه نكتة سوداء فإن تاب صقل منها ، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي قال الله سبحانه وتعالى " وقال الغزالي في كتاب التوبة{[72202]} من الإحياء : قد سبق أن الإنسان {[72203]}لا يخلو في مبدأ خلقته{[72204]} عن اتباع الشهوات ، وكل شهوة اتبعها الإنسان ارتفع منها ظلمة إلى قلبه كما يرتفع عن نفس الإنسان ظلمة إلى وجه المرآه الصقيلة ، فإن تراكمت ظلمة الشهوات صار ريناً كما يصير بخار النفس في وجه المرآة عند تراكمه خبثاً ، فإذا تراكم الرين صار طبعاً كالخبث على وجه المرآة-{[72205]} إذا تراكم وطال زمانه غاص في جرم الحديد وأفسده وصار لا يقبل التصقيل بعده ، وصار كالمطبوع من الخبث{[72206]} ولا يكفي في تدارك اتباع الشهوات تركها في المستقبل بل لا بد من محو تلك الآثار التي انطبعت في القلب كما لا يكفي في ظهور الصورة في المرآة قطع الأنفاس والبخارات المسودة لوجهها في المستقبل ما لم يشتغل بمحو ما انطبع فيها من الآثار ، وكما يرتفع إلى القلب ظلمة من المعاصي والشهوات فيرتفع إليه نور من الطاعات وترك الشهوات فتنمحي ظلمة المعصية بنور الطاعة ، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم :

" وأتبع السيئة الحسنة تمحها " .


[72190]:من ظ و م، وفي الأصل: دونه.
[72191]:زيد من ظ وم.
[72192]:من ظ و م، وفي الأصل: يعتقد.
[72193]:زيد في الأصل: كانوا، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72194]:من ظ و م، وفي الأصل: فخير.
[72195]:من ظ و م، وفي الأصل: فشر.
[72196]:من م، وفي الأصل: مما، وفي ظ: ما.
[72197]:من م، وفي الأصل و ظ: به.
[72198]:راجع المسند 2/297.
[72199]:راجع الجامع 2/169.
[72200]:راجع السنن ص: 323.
[72201]:من ظ و م، وفي الأصل: نكت.
[72202]:راجع 4/8.
[72203]:من ظ و م والإحياء، وفي الأصل: في مبدأ خلقه لا يملو.
[72204]:من ظ و م والإحياء، وفي الأصل: في مبدأ خلقه لا يملو.
[72205]:زيد من ظ و م والإحياء.
[72206]:من م، وفي الأصل و ظ: الحشب.