الآية 14 : وقوله تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } قيل : الرين الستر والغطاء ، وقيل : الرين الصدأ . فالله تعالى سمى الإيمان الذي ، هو في النهاية من الخيرات ، نورا ، وسمى الكفر الذي ، هو في النهاية من الشرور ، ظلمة .
فإذا كان الإيمان منورا للقلب ، والكفر مظلما ، فإذا اشتغل بالأسباب الداعية إلى الكفر شيئا بعد شيء من الآثام ، فكل سبب من ذلك بعمل في إظلام القلب حتى تتم الظلمة على ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية ، فقال : ( ( هو العبد يذنب الذنب فتنكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب منها صفا قلبه ، وإن لم يتب ، فعاد ، فأذنب ، نكتت في قلبه نكتة سوداء ، وإن عاد نكتت في قلبه حتى يسود القلب أجمع ) ) [ بنحوه : الترمذي : 3334 ] .
فذلك الرين ، ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره شيئا فشيئا بأسباب تتقدم الإيمان حتى يحمله ذلك على الإيمان ، فذلك تمام الانشراح .
وعلى هذا يخرج تأويل ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه / 631 – ب/أن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب ، كلما ازداد عظما ازداد ذلك البياض ، فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله .
ومعنى قوله : يبدو لمظة في القلب بيضاء إلى قوله : [ ابيض القلب كله ]{[23292]} عندنا بالأسباب الداعية إلى الإيمان ، فلا يزال ينشرح منه [ شيئا فشيئا ]{[23293]} حتى يؤمن ، لا أن يكون الإيمان ذا أجزاء ، ولكن للإيمان مقدمات ينشرح [ شيئا فشيئا ]{[23294]} بكل مقدمة منه حتى يفضي به إلى الإيمان .
ثم إن الله تعالى سمى السواتر{[23295]} عن الإيمان أسامي{[23296]} : مرة قال : { وطبع الله على قلوبهم } [ التوبة : 93 و . . . ] ومرة قال : { وجعلنا على قلوبهم أكنة } الآية [ الأنعام : 25 و . . . ] ومرة قال : { أم على قلوب أقفالها } [ محمد : 24 ] فكان الذين وصفوا بالقفل على قلوبهم ، هم الذين انتهوا في الكفر غايته ، حتى لا يطمع منهم الإيمان ، وهم المتمردون المعتقدون التكذيب ، وهم الرؤساء منهم والأئمة .
ومنهم من هو مطبوع على قبله ، وهم الذين اعتقدوا الكفر لا عن تمرد وعناد ، ولكن لما لم تلمح{[23297]} لهم الأسباب الداعية إلى الإيمان .
وذكر الزجاج أن أول منازل الستر الغبن ، وهو الستر الرقيق كالسحاب الرقيق في السماء يعمل في غشاء القلب غشاء السحاب الرقيق بلون السماء ، ثم إذا زاد سمي رينا ، ثم يرتقي إلى الطبع إلى أن يصير كالقفل على القلب ؛ وفي هذا دليل على أن لله تعالى تدبيرا وصنعا في أفعال العباد ، لأنه أنشأ للكفر ظلمة في القلب حتى تمنعه تلك الظلمة عن درك الخيرات ونور الإيمان ؛ إذ كل من اعتقد الكفر فهو ليس يعتقده ليمنعه عن درك الأنوار ، وإذا لم يوجد منه هذا يثبت أنه صار كذلك بتدبير الله تعالى وصنعه ؛ إذ لا يجوز أن تحدث ظلمة في القلب إلا بمحدث لها ، وإذ انتقى الصنع من الكافر{[23298]} ثبت أنه بتدبير الله تعالى ما صار كذلك ، وأنه أنشأه مظلما ، والله الموفق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.