المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

وقوله تعالى : { كلا } زجر ورد لقولهم : { أساطير الأولين } ، ثم أوجب أن ما كسبوا من الكفر والطغيان ، والعتو ، قد { ران على قلوبهم } ، أي غطى عليها وغلب فهم مع ذلك لا يبصرون رشداً ولا يخلص إلى قلوبهم خير ، ويقال : رانت الخمر على عقل شاربها وران الغش على قلب المريض ، وكذلك الموت ، ومنه قول الشاعر : [ الخفيف ]

ثم لما رآه رانت به الخمر وإن لا يرينه باتقاء{[11683]}*** والبيت لأبي زيد ، وقال الحسن وقتادة : الرين الذنب على الذنب حتى يموت القلب ، ويروى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الرجل إذا أذنب صارت نقطة سوداء على قلبه ثم كذلك حتى يتغطى » فذلك الرين الذي قال الله تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }{[11684]} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : { بل ران } بإدغام في الراء ، وقرأ نافع : { بل ران } غير مدغمة ، وقرأ عاصم : { بل } ويقف ثم بيتدئ { ران } ، وقرأ حمزة والكسائي : الإدغام وبالإمالة في { ران } ، وقرأ نافع أيضاً : بالإدغام ، والإمالة ، قال أبو حاتم : القراءة بالفتح والإدغام ، وعلق اللوم بهم فيما كسبوه وإن كان ذلك يخلق منه واختراع لأن الثواب والعقاب متعلق بكسب العبد


[11683]:البيت في اللسان (ران) منسوبا لأبي زبيد، وقد استشهد به أبو عبيدة في (مجاز القرآن)، وهو في وصف سكران غلبت عليه الخمر، يقال: رانت به الخمر، أي غلبت على قلبه وعقله، وكل ما غلبك وعلاك فقد ران بك وران عليك.
[11684]:أخرجه أحمد، وعبد بن حميد، والحاكم، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه وابن جرير، وابن حبان، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه.