ثم بين الله أن هؤلاء المنافقين لا فائدة منهم ، ولن ينفع معهم أيُّ شيء بقوله تعالى : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } .
فالاستغفار وعدمه سِيّان ، لا يُجديهم نفعا ، لأن الله كَتَبَ عليهم الشقاء ، بما كسبتْ أيديهم .
فإنه سواء استغفر لهم أم لم يستغفر لهم فلن يغفر الله لهم ، وذلك لأنهم قوم فاسقون ، خارجون عن طاعة الله ، مؤثرون للكفر على الإيمان ، فلذلك لا ينفع فيهم استغفار الرسول ، لو استغفر لهم كما قال تعالى : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .
قوله تعالى : " سواء عليهم أاستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم " يعني كل ذلك سواء ، لا ينفع استغفارك شيئا ؛ لأن الله لا يغفر لهم . نظيره : " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون{[15031]} " [ البقرة : 6 ] ، " سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين{[15032]} " [ الشعراء : 136 ] . وقد تقدم . " إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " أي من سبق في علم الله أنه يموت فاسقا .
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب صلاحهم فهو يحب أن يستغفر لهم ، وربما ندبه{[65511]} إلى ذلك بعض أقاربهم ، فكان استغفاره بحيث يسأل عنه ، قال منبهاً{[65512]} على أنهم ليسوا بأهل للاستغفار لأنهم لا يؤمنون . { سواء } أي غلب واستعلى هذا الاستواء الذي عالجوا أنفسهم عليه حتى تخلقوا به فصار{[65513]} مجرداً عن أدنى ميل وكلفة { عليهم } .
ولما كان قد سلخ في هذا السياق عن{[65514]} الهمزة معنى الاستفهام كان معنى { استغفرت لهم } أي في هذا الوقت { أم لم تستغفر لهم } أي فيه أو فيما بعده - مستو عندهم استغفارك لهم وتركه ، لأنه لا أثر له عندهم ، ولهذا كانت نتيجته{[65515]} - عقوبة لهم - النفي{[65516]} المبالغ فيه بقوله : { لن يغفر الله } أي الملك الأعظم { لهم } ولعل التعبير بالاستفهام بعد سلخ معناه للاشارة إلى أنهم لو شاهدوا الملك يستفهمك عن ذلك ما ردهم عن {[65517]}نفاقهم وما{[65518]} زادهم ذلك على ما عندهم شيئاً ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قيد هذه الآية بآية{[65519]} براءة المحتملة للتخيير{[65520]} وأنه إن زاد على السبعين كان الغفران مرجواً{[65521]} ، فاستجاز بذلك الصلاة على ابن أبي رأس المنافقين والاستغفار له لما عنده صلى الله عليه وسلم من عظيم{[65522]} الشفقة على عباد الله ومزيد الرحمة لهم ولا سيما من كان في عداد أصحابه والأنصار رضي الله عنهم به{[65523]} عناية .
ولما كان التقدير لتعليل المبالغة في الإخبار بعد الغفران لهم : لأن فسقهم قد استحكم فصار وصفاً لهم ثابتاً ، عبر عن ذلك بقوله : { إن الله } أي الذي له صفات{[65524]} الكمال { لا يهدي القوم } أي الناس الذين لهم قوة في أنفسهم على ما يريدونه { الفاسقين * } لأنهم لا عذر لهم في الإصرار على الفسق وهو المروق من حصن الإسلام بخرقه وهتكه مرة بعد مرة والتمرن عليه حتى استحكم فهم راسخون في النفاق والخروج عن مظنة الإصلاح .
{ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( 6 ) }
سواء على هؤلاء المنافقين أطلبت لهم المغفرة من الله -يا محمد- أم لم تطلب لهم ، إن الله لن يصفح عن ذنوبهم أبدًا ؛ لإصرارهم على الفسق ورسوخهم في الكفر . إن الله لا يوفِّق للإيمان القوم الكافرين به ، الخارجين عن طاعته .