فخفف الله عنهم ونزلت الآية التالية برفع هذا التكليف ؛ وتوجيههم إلى العبادات والطاعات المصلحة للقلوب :
( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ? فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله . والله خبير بما تعملون ) . .
وفي هاتين الآيتين والروايات التي ذكرت أسباب نزولهما نجد لونا من ألوان الجهود التربوية لإعداد هذه الجماعة المسلمة في الصغير والكبير من شئون الشعور والسلوك .
وتاب الله عليكم : رفع عنكم هذه الصدقة ، ورخَّص لكم في المناجاة من غير تقديم صدقة .
ولما علم اللهُ أنهم تحرّجوا من تقديم الصدقات وأن كثيرا منهم لا يجدُ ما يأكل ، عفا عنهم ورفع الصدقة وقال :
{ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ } .
لأن الصلاةَ تطهّر النفوس ، والزكاة فيها نفعٌ عام للمؤمنين ، وإطاعة الله ورسوله خير ما يأتيه المؤمن ويتحلى به ، { والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } فهو محيط بنواياكم وأعمالكم .
ولما دل ختم الآية على التخفيف ، وكان قد يدعي مدعون عدم الوجدان كذباً{[63393]} فيحصل لهم حرج ، وكان تعالى شديد العناية بنجاة هذه الأمة ، دل على لطفه بهم بنسخه بعد فرضه . فقال موبخاً لمن يشح على المال نادباً إلى الخروج عنه من غير إيجاب : { أأشفقتم } أي خفتم من العيلة لما يعدكم به الشيطان من الفقر خوفاً كاد أن يفطر قلوبكم { أن تقدموا } أي{[63394]} بإعطاء الفقراء وهم إخوانكم { بين يدي نجواكم } أي للرسول صلى الله عليه وسلم ، وجمع لأنه أكثر توبيخاً{[63395]} من حيث إنه يدل على أن النجوى تتكرر ، وذلك يدل على عدم خوفهم من مشقة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ووجود خوفهم من فعل التصدق فقال : { صدقات } وكان بعضهم ترك وهو واجد فبين سبحانه رحمته لهم بنسخها عنهم لذلك في موضع العقاب لغيرهم عند الترك .
ولما كان من قبلنا إذا{[63396]} كلفوا الأمر الشاق وحملوا على التزامه بمثل رفع الجبل فوقهم ، فإذا خالفوا عوقبوا ، بين فضل هذه الأمة بأنه خفف عنهم ، فقال معبراً بما قد يشعر بأن بعضهم ترك عن قدرة : { فإذ } أي فحين { لم تفعلوا } أي ما أمرتم به من الصدقة للنجوى بسبب هذا الإشفاق { وتاب الله } أي الملك الأعلى الذي كان من شأن ما هو عليه من العظمة أن يعاقب من ترك أمره { عليكم } أي رجع بمن{[63397]} ترك الصدقة عن وجدان ، وبمن تصدق وبمن لم يجد إلى مثل حاله قبل ذلك من سعة الإباحة والعفو والتجاوز والمعذرة والرخصة والتخفيف قبل الإيجاب ، ولم يعاقبكم على الترك ولا على ظهور اشتغال ذلك منكم ، قال مقاتل بن حيان{[63398]} : كان ذلك عشر ليال {[63399]}ثم نسخ{[63400]} ، وقال الكلبي{[63401]} : ما كانت إلا ساعة من نهار . وعلى كل منهما{[63402]} فهي لم تتصل بما قبلها نزولاً وإن اتصلت بها تلاوة وحلولاً ، { فأقيموا } بسبب العفو عنكم شكراً على هذا الكرم والحلم { الصلاة } التي هي طهرة{[63403]} لأرواحكم ووصلة لكم بربكم { وآتوا الزكاة } التي هي نزاهة لأبدانكم وتطهير{[63404]} ونماء لأموالكم وصلة بإخوانكم ، ولا تفرطوا في شيء من ذلك فتهملوه ، فالصلاة نور تهدي إلى المقاصد الدنيوية والأخروية ، وتعين على نوائب الدارين ، والصدقة برهان على صحة القصد في الصلاة .
ولما خص أشرف{[63405]} العبادات البدنية وأعلى المناسك المالية ، عم فقال حاثاً على زيادة النور والبرهان اللذين بهما تقع المشاكلة في الأخلاق فتكون المناجاة عن{[63406]} أعظم{[63407]} إقبال وإنفاق{[63408]} فقال : { وأطيعوا الله } أي الذي له الكمال كله فلم يشركه في إبداعه لكم على ما أنتم عليه أحد { ورسوله } الذي عظمته من عظمته في سائر ما يأمر{[63409]} به فإنه ما أمركم لأجل إكرام رسولكم صلى الله عليه وسلم إلا بالحنيفية السمحة ، وجعل المحافظة على ذلك قائمة مقام ما أمركم به ، ثم نسخه عنكم من تقديم الصدقة على النجوى .
ولما كان قد عفا عن أمر أشعر السياق بأنه وقع فيه تفريط ، فكان ذلك ربما{[63410]} جرى على انتهاك الحرمات ، رهب من جنابه بإحاطة العلم ، وعبر بالخبر لأن أول الآية وبخ على أمر باطن ولم يبالغ بتقديم الجار لما فيها من الأمور الظاهرة ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فالله يحب الذين يطيعون : { والله } أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً { خبير بما تعملون * } أي تجدون علمه ، يعلم بواطنه كما يعلم ظواهره .
قوله : { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } الاستفهام للتقرير . يعني أخشيتم وشق عليكم أن تقدموا صدقات قبل مناجاتكم الرسول . والمراد أخشيتم الفقر والحاجة من هذا التقويم { فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم } فنسخ بذلك هذا الحكم وهو التصدق بين يدي المنجاة . وما كان ذلك إلا ليلة واحدة . وقيل : ساعة من نهار .
قوله : { فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله } يعني إذ لم تقدموا صدقات من قبل مناجاتكم الرسول ومن الله بالتوبة من ترككم ذلك فأدوا ما عليكم من فرائض أوجبها الله عليكم وهي الصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله في أوامره ونواهيه { والله خبير بما تعملون } الله عليم بأمركم كله . فهو يعلم ما تفعلون وما تقولون وما تخفون في صدوركم من المقاصد والنوايا{[4489]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.