في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (56)

56

( إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ، إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه . فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير . لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون . وما يستوي الأعمى والبصير ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ، قليلاً ما تتذكرون . إن الساعة لآتية لا ريب فيها ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون . وقال ربكم : ادعوني أستجب لكم ، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) . .

إن هذا المخلوق الإنساني لينسى نفسه في أحيان كثيرة ، ينسى أنه كائن صغير ضعيف ، يستمد القوة لا من ذاته ، ولكن من اتصاله بمصدر القوة الأول . من الله . فيقطع اتصاله هذا ثم يروح ينتفخ ، ويورم ، ويتشامخ ، ويتعالى . يحيك في صدره الكبر . يستمده من الشيطان الذي هلك بهذا الكبر . ثم سلط على الإنسان فأتاه من قبله !

وإنه ليجادل في آيات الله ويكابر . وهي ظاهرة ناطقة معبرة للفطرة بلسان الفطرة . وهو يزعم لنفسه وللناس أنه إنما يناقش لأنه لم يقتنع ، ويجادل لأنه غير مستيقن . والله العليم بعباده ، السميع البصير المطلع على السرائر ، يقرر أنه الكبر . والكبر وحده . هو الذي يحيك في الصدر . وهو الذي يدعو صاحبه إلى الجدال فيما لا جدال فيه . الكبر والتطاول إلى ما هو أكبر من حقيقته . ومحاولة أخذ مكان ليس له ، ولا تؤهله له حقيقته . وليست له حجة يجادل بها ، ولا برهان يصدع به . إنما هو ذلك الكبر وحده :

( إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ، إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ) . .

ولو أدرك الإنسان حقيقته وحقيقة هذا الوجود . ولو عرف دوره فأتقنه ولم يحاول أن يتجاوزه . ولو اطمأن إلى أنه كائن مما لا يحصى عدده من كائنات مسخرة بأمر خالق الوجود ، وفق تقديره الذي لا يعلمه إلا هو ، وأن دوره مقدر بحسب حقيقته في كيان هذا الوجود . . لو أدرك هذا كله لاطمأن واستراح ، ولتطامن كذلك وتواضع ، وعاش في سلام مع نفسه ومع الكون حوله . وفي استسلام لله وإسلام .

( فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير ) . .

والاستعاذة بالله في مواجهة الكبر توحي باستبشاعه واستفظاعه . فالإنسان إنما يستعيذ بالله من الشيء الفظيع القبيح ، الذي يتوقع منه الشر والأذى . . وفي الكبر هذا كله . وهو يتعب صاحبه ويتعب الناس من حوله ؛ وهو يؤذي الصدر الذي يحيك فيه ويؤذي صدور الآخرين . فهو شر يستحق الاستعاذة بالله منه . . ( إنه هو السميع البصير ) . . الذي يسمع ويرى ، والكبر الذميم يتمثل في حركة ترى وفي كلام يسمع . فهو يكل أمره إلى السميع البصير يتولاه بما يراه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (56)

بغير سلطان : بغير دليل ولا حجة .

اعلم يا محمد أن الذين يجادلونك في دين الله بغير حجّةٍ أو برهان يعلمونه إنما يدفعهم إلى ذلك ما يجدونه في صدورهم من الكيد والحسد ، وعنادُهم وطمعهم في أن يغلبوك .

{ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ }

وما هم ببالغي إرادتهم ، ولن يصِلوا إلى ذلك أبدا .

ثم أمر رسوله أن يستعيذ من هؤلاء المجادلين المستكبرين بقوله :

{ فاستعذ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع البصير }

الجأ إلى الله واستعنْ به فهو السميع لأقوالهم ، البصيرُ بأفعالهم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (56)

وقوله { إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } أي تكبر وطمع أن يعلوا على محمد عليه السلام وما هم ببالغي ذلك { فاستعذ بالله } أي فامتنع بالله من شرهم

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (56)

قوله تعالى : " إن الذين يجادلون " يخاصمون " في آيات الله بغير سلطان " أي حجة " أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه " قال الزجاج : المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه . قدره على الحذف . وقال غيره : المعنى ما هم ببالغي الكبر على غير حذف ؛ لأن هؤلاء قوم رأوا أنهم أن اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم قل ارتفاعهم ، ونقصت أحوالهم ، وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعا ، فأعلم الله عز وجل أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أملوه بالتكذيب . والمراد المشركون . وقيل : اليهود ، فالآية مدنية على هذا كما تقدم أول السور . والمعنى : إن تعظموا عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : إن الدجال سيخرج عن قريب فيرد الملك إلينا ، وتسير معه الأنهار ، وهو آية من آيات الله فذلك كبر لا يبلغونه{[13385]} فنزلت الآية فيهم . قال أبو العالية وغيره . وقد تقدم في " آل عمران " {[13386]} أنه يخرج ويطأ البلاد كلها إلا مكة والمدينة . وقد ذكرنا خبره مستوفى في كتاب التذكرة . وهو يهودي واسمه صاف ويكنى أبا يوسف .

وقيل : كل من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم . وهذا حسن ؛ لأنه يعم . وقال مجاهد : معناه في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها والمعنى واحد . وقيل : المراد بالكبر الأمر الكبير أي يطلبون النبوة أو أمرا كبيرا يصلون به إليك من القتل ونحوه ، ولا يبلغون ذلك . أو يتمنون موتك قبل أن يتم دينك ولا يبلغونه .

قوله تعالى : " فاستعذ بالله " قيل : من فتنة الدجال على قول من قال إن الآية نزلت في اليهود . وعلى القول الآخر من شر الكفار . قيل : من مثل ما ابتلوا به من الكفر والكبر . " إنه هو السميع البصير " " هو " يكون فاصلا ويكون مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبر إن على ما تقدم .


[13385]:زيادة يقتضيها السياق.
[13386]:راجع ج 4 ص 89 وما بعدها و ص 100 طبعة أولى أو ثانية.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۚ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (56)

قوله : { إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } ذلك تنديد من الله بالمشركين الظالمين الذين يخاصمون في آيات الله وهي كتبه المنزلة من عند الله وما فيها من أحكام وأخبار وأدلة ومعجزات { بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } أي يخاصمون في كل ذلك بغير برهان ظاهر ولا حجة نَيِّرة . وهذا عام في كل مجادل مُبْطل يخاصم في آيات الله سفها بغير علم ولا حجة { إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } الجملة في موضع رفع خبر { إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ } و { إن } نافية ؛ أي ما في قلوب هؤلاء المخاصمين الذين يحاجّون بالباطل إلا الغرور والاستكبار عن الحق وعن التعلم والاستفسار وطلب المعرفة . أو هو إرادة الرياسة أو أن تكون لهم النبوة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا من عند أنفسهم .

قوله : { مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } أي ما هم ببالغي موجب كبرهم وما يقتضيه وهو متعلق إرادتهم من دفع الآيات أو من طمع في الرياسة أو النبوة . وقيل : المعنى ما يحملهم على تكذيبك يا محمد إلا ما في صدورهم من الكبر عليك ، وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر ؛ لأن الله قد أذلهم وأخزاهم .

قوله : { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } أي احْتَم بالله والتجئ إليه من كيد الذين يحسدونك ويبغون عليك . والله جل وعلا يسمع ما تقولون ويقولون . وهو كذلك بصير بكم وبما تفعلون ويفعلون ، لا يخفى عليه من ذلك شيء . والله جل جلاله ناصرك ومؤيدك وعاصمك من كيد الظالمين والمتربصين والحاقدين ومكرهم{[4026]} .


[4026]:روح المعاني ج 24 ص 76-78 وتفسير النسفي ج 4 ص 82 وتفسير ابن كثير ج 4 ص 85-86