وهنا يجيء الإيقاع الأخير في هذا المقطع ، توجيهاً لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن كانوا معه من المؤمنين في مكة في موقف الشدة والمعاناة . ولكل من يأتي بعدهم من أمته ، ويواجهون مثل الموقف الذي كانوا فيه :
( فاصبر . إن وعد الله حق . واستغفر لذنبك ، وسبح بحمد ربك ، بالعشي والإبكار ) . .
الإيقاع الأخير . . الدعوة إلى الصبر . . الصبر على التكذيب . والصبر على الأذى . والصبر على نفخة الباطل وانتشائه بالغلبة والسلطان في فترة من الزمان . والصبر على طباع الناس وأخلاقهم وتصرفاتهم من هنا ومن هناك . والصبر على النفس وميولها وقلقها وتطلعها ورغبتها في النصر القريب وما يتعلق به من رغائب وآمال . والصبر على أشياء كثيرة في الطريق قد تجيء من جانب الأصدقاء قبل أن تجيء من جانب الأعداء !
( فاصبر . إن وعد الله حق ) . . مهما يطل الأمد ، ومهما تتعقد الأمور ، ومهما تتقلب الأسباب . إنه وعد من يملك التحقيق ، ومن وعد لأنه أراد .
( واستغفر لذنبك ، وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ) . .
هذا هو الزاد ، في طريق الصبر الطويل الشاق . استغفار للذنب ، وتسبيح بحمد الرب . والاستغفار المصحوب بالتسبيح وشيك أن يجاب ، وهو في ذاته تربية للنفس وإعداد . وتطهير للقلب وزكاة . وهذه هي صورة النصر التي تتم في القلب ، فتعقبها الصورة الأخرى في واقع الحياة .
واختيار العشي والإبكار . إما كناية عن الوقت كله - فهذان طرفاه - وإما لأنهما آنان يصفو فيهما القلب ، ويتسع المجال للتدبر والسياحة مع ذكر الله .
هذا هو المنهج الذي اختاره الله لتوفير عدة الطريق إلى النصر وتهيئة الزاد . ولا بد لكل معركة من عدة ومن زاد . .
العشيّ : من نصف النهار إلى آخره .
وبعد أن بيّن أنه ينصر رسله والمؤمنين خاطب الرسولَ الكريم أن يصبر ، وطمأنه إلى أن النصر له فقال : { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ واستغفر لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي والإبكار }
اصبر أيها الرسول ، على ما ينالك من الأذى من الناس ، إنّ وعد الله بنصرك ونصر المؤمنين حقٌّ لن يتخلف . ثم أكد عليه بأن لا يترك الاستغفار والدعاء والتسبيح بحمده دائماً صباحاً ومساء ، شكراً له على نعمه التي لا تحصى .
قوله تعالى : " فاصبر " أي فاصبر يا محمد على أذى المشركين ، كما صبر من قبلك " إن وعد الله حق " بنصرك وإظهارك ، كما نصرت موسى وبني إسرائيل . وقال الكلبي : نسخ هذا بآية السيف . " واستغفر لذنبك " قيل : لذنب أمتك حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل : لذنب نفسك على من يجوز الصغائر على الأنبياء . ومن قال لا تجوز قال : هذا تعبد للنبي عليه السلام بدعاء ، كما قال تعالى : " وآتنا ما وعدتنا " [ آل عمران : 194 ] والفائدة زيادة الدرجات وأن يصير الدعاء سنة لمن بعده . وقيل : فاستغفر الله من ذنب صدر منك قبل النبوة . " وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار " يعني صلاة الفجر وصلاة العصر ، قاله الحسن وقتادة . وقيل : هي صلاة كانت بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية . عن الحسن أيضا ذكره الماوردي . فيكون هذا مما نسخ والله أعلم . وقوله : " بحمد ربك " بالشكر له والثناء عليه . وقيل : " وسبح بحمد ربك " أي استدم التسبيح في الصلاة وخارجا منها لتشتغل بذلك عن استعجال النصر .
قوله : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } ذلك تحريض من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على الصبر على البلاء واحتمال المكاره وما يضعه الظالمون والمشركون في طريقه من أسباب الصد والأذى ؛ فإن الله مُنجِزٌ له ما وعده من النصر والغلبة وظهور دينه الإسلام .
قوله : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } استغفر الله لذنب أمتك { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } أمره الله بالديمومة على عبادته والثناء عليه . أو أن يقول : سبحان الله وبحمده . وذلك بالعشي أي أواخر النهار وأوائل الليل . { والإبكار } أي أوائل النهار وأواخر الليل . وقيل : عبّر بالطرفين وأريد جميع الأوقات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.