في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

ولكي يتضح الفارق الهائل بين هذا النعيم الخالد الآمن الدائم الراضي ؛ والمصير الآخر الذي ينتظر الفريق الآخر . فإن السياق يستطرد إلى ما ينتظر هذا الفريق بعد موقف الحشر والحساب الذي ورد في مطلع المشهد الفريد :

( أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم ! إنا جعلناها فتنة للظالمين . إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم . طلعها كأنه رؤوس الشياطين . فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون . ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم . ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ) . .

أذلك النعيم المقيم خير منزلاً ومقاماً أم شجرة الزقوم ?

وما شجرة الزقوم ?

( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم . طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) . .

والناس لا يعرفون رؤوس الشياطين كيف تكون ! ولكنها مفزعة ولا شك . ومجرد تصورها يثير الفزع والرعب . فكيف إذا كانت طلعاً يأكلونه ويملأون منه البطون ? !

لقد جعل الله هذه الشجرة فتنة للظالمين . فحين سمعوا باسمها سخروا وقالوا : كيف تنبت شجرة في الجحيم ولا تحترق . وقال قائل منهم هو أبو جهل ابن هشام يسخر ويتفكه : " يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ? قالوا : لا : قال عجوة يثرب بالزبد ! والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقماً " ! ولكن شجرة الزقوم هذه شيء آخر غير ذلك الطعام الذي كانوا يعرفون !

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

" طلعها " أي ثمرها ، سمي طلعا لطلوعه . " كأنه رؤوس الشياطين " قيل : يعني الشياطين بأعيانهم شبهها برؤوسهم لقبحهم ، ورؤوس الشياطين متصور في النفوس وإن كان غير مرئي . ومن ذلك قولهم لكل قبيح هو كصورة الشيطان ، ولكل صورة حسنة هي كصورة ملك . ومنه قوله تعالى مخبرا عن صواحب يوسف : " ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " [ يوسف : 31 ] وهذا تشبيه تخييلي ، روي معناه عن ابن عباس والقرظي . ومنه قول امرئ القيس :

ومسنونةٌ زرقٌ كأنيابِ أغوالِ{[13262]}

وإن كانت الغول لا تعرف ، ولكن لما تصور من قبحها في النفوس . وقد قال الله تعالى : " شياطين الإنس والجن " [ الأنعام : 112 ] فمردة الإنس شياطين مرئية . وفي الحديث الصحيح ( ولكأن نخلها رؤوس الشياطين ) وقد أدعى كثير من العرب رؤية الشياطين والغيلان . وقال الزجاج والفراء : الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف ، وهي من أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسما . قال الراجز وقد شبه المرأة بحية لها عرف :

عَنْجَرَدٌ تَحْلِفُ حين أَحْلِفُ *** كمثلِ شيطانِ الحمَاطِ أَعْرَفُ

الواحدة حماطة . والأعرف الذي له عُرْف . وقال الشاعر يصف ناقته :

تُلاَعِبُ مثنَى حضرمي كأنه *** تَعَمُّجُ شيطانٍ بذي خروعٍ قَفْرِ

التعمج : الاعوجاج في السير . وسهم عموج : يتلوى في ذهابه . وتعمجت الحية : إذا تلوت في سيرها . وقال يصف زمام الناقة{[13263]} :

تُلاَعِبُ مثنَى حضرمي كأنه *** تَعَمُّجُ شيطانٍ بذي خروعٍ قَفْرِ

وقيل : إنما شبه ذلك بنبت قبيح في اليمن يقال له الأَسْتَن والشيطان . قال النحاس : وليس ذلك معروفا عند العرب . الزمخشري : هو شجر خشن منتن مر منكر الصورة يسمى ثمره رؤوس الشياطين . النحاس : وقيل : الشياطين ضرب من الحيات قباح .


[13262]:أراد بالمسنونة الزرق سهاما محددة الأزجة صافية. وصدر البيت: *أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي*
[13263]:كذا في الأصل ولعل العبارة والبيت هنا تكرار مع ما سبق، وصواب العبارة الأولى " قال الشاعر يصف زمام ناقته" بزيادة لفظ زمام.