ثم تتم سماتهم بقوله : ( خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة )فنلمح من خلال الكلمات سيماهم كاملة ، وترتسم لنا من قسماتهم صورة واضحة . صورة ذليلة عانية . . لقد كانوا يخوضون ويلعبون فهم اليوم أذلاء مرهقون . .
( ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) .
فكانوا يستريبون فيه ويكذبون ويستعجلون !
بهذا يلتئم المطلع والختام ، وتتم هذه الحلقة من حلقات العلاج الطويل لقضية البعث والجزاء ، وتنتهي هذه الجولة من جولات المعركة الطويلة بين التصور الجاهلي والتصور الإسلامي للحياة .
ولما كان إيفاضهم إلى الأنصاب على{[68546]} حال السرور ، أخبر أن هذا على خلاف ذلك ، وأن ذكر النصب وتصوير حالة الإتيان إليه ما كان إلا تهكماً بهم فقال : { خاشعة } أي منكسرة متواضعة لما حل بها من الذل {[68547]}والصغار{[68548]} ، وألحقها علامة التأنيث زيادة في هذا المعنى ومبالغة فيه بقوله : { أبصارهم } .
ولما كان خشوعها دائماً فعبر{[68549]} بالاسم ، وكان ذلهم يتزايد في كل لحظة ، عبر بالفعل المضارع المفيد للتجدد والاستمرار فقال : { ترهقهم } أي تغشاهم فتعمهم ، وتحمل عليم فتكلفهم كل{[68550]} عسر وضيق{[68551]} على وجه الإسراع إليهم { ذلة } ضد ما كانوا عليه في الدنيا لأن من تعزز في الدنيا على الحق ذل{[68552]} في الآخرة ، ومن ذل للحق في الدنيا عز في الآخرة .
ولما صوره بهذه الصورة{[68553]} أشار إلى أن هذا ما تدركه العقول من وصفه وأنه{[68554]} أعظم من ذلك فقال : { ذلك } أي الأمر الذي هو في غاية ما يكون من علو الرتبة في العظمة { اليوم الذي كانوا } أي في حال الدنيا على غاية ما يكون من المكنة في الوعيد .
ولما كان الوعيد لا يتحقق إلا إذا كان من القادر ، وإذا كان كذلك{[68555]} كان مخيفاً موجعاً{[68556]} من غير ذكر من صدر عنه ، بني للمفعول قوله : { يوعدون * } أي يجدد لهم الإيعاد به في الدنيا في كل وقت لعلهم يتعظون فترق قلوبهم فيرجعون {[68557]}عماهم{[68558]} فيه من الجبروت ، وهذا هو زمان العذاب {[68559]}الذي سألوا عنه{[68560]} أول السورة ، فقد رجع كما ترى آخرها على أولها{[68561]} أي رجوع ، وانضم مفصلها إلى موصلها انضمام المفرد إلى المجموع - والله الهادي إلى الصواب .
قوله : { خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة } خاشعة ، حال من فاعل { يوفضون } يعني ينطلقون من قبورهم ذليلة أبصارهم وقد غشيهم من الهوان والذل ما غشيهم جزاء كفرهم وتكذيبهم .
قوله : { ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون } يعني هذا اليوم بويلاته ومصائبه هو الذي كانوا يوعدونه في الدنيا . وهو ما تكشف عنه الآيات العظام هنا من فظاعة الأهوال والمشاهد التي تعاينها البشرية يوم القيامة حيث الأفزاع والبلايا . تكشف الآيات عن ذلك كله بكلماته الربانية المصطفاة ، وعجيب أسلوبها الذي لا يضاهى ، وروعة نظمها المثير الباهر ، الذي يجسد للخيال صورة مذهلة عن القيامة بأحداثها الجسام وكوارثها الرعيبة المزلزلة كأنما هي منظورة ومحسّة{[4638]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.