في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

ويعقب على هذا بأن نصيب هذا الإنسان من السراء والضراء ومن العطاء والحرمان كله بيد الله . فما لهذا الإنسان المحب للخير الجزوع من الشر ، يبعد عن الله المالك لأمره في جميع الأحوال :

( لله ملك السماوات والأرض ، يخلق ما يشاء ، يهب لمن يشاء إناثاً ، ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ، ويجعل من يشاء عقيماً ، إنه عليم قدير ) . .

والذرية مظهر من مظاهر المنح والمنع والعطاء والحرمان ؛ وهي قريبة من نفس الإنسان ؛ والنفس شديدة الحساسية بها . فلمسها من هذا الجانب أقوى وأعمق . وقد سبق في السورة حديث عن الرزق بسطه وقبضه . فهذه تكملة في الرزق بالذرية . وهي رزق من عند الله كالمال .

والتقديم بأن لله ملك السماوات والأرض هو التقديم المناسب لكل جزئية بعد ذلك من توابع هذا الملك العام . وكذلك ذكر : ( يخلق ما يشاء ) . . فهي توكيد للإيحاء النفسي المطلوب في هذا الموضع . ورد الإنسان ، المحب للخير ، إلى الله الذي يخلق ما يشاء مما يسرّ وما يسوء ومن عطاء أو حرمان .

ثم يفصل حالات العطاء والحرمان : فهو يهب لمن يشاء إناثاً [ وهم كانوا يكرهون الإناث ] ويهب لمن يشاء الذكور .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

{ 49-50 } { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

هذه الآية فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى ، ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء ، والتدبير لجميع الأمور ، حتى إن تدبيره تعالى ، من عمومه ، أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب التي يباشرها العباد ، فإن النكاح من الأسباب لولادة الأولاد ، فاللّه تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء .

فمن الخلق من يهب له إناثا ، ومنهم من يهب له ذكورا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

قوله تعالى : { لله ملك السماوات والأرض } له التصرف فيهما بما يريد ، { يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً } فلا يكون له ولد ذكر ، قيل : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر ، لأن الله تعالى بدأ بالإناث ، { ويهب لمن يشاء الذكور } فلا يكون له أنثى .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

{ يهب لمن يشاء إناثا } قدم الإناث اعتناء بهن وتأنيسا لمن وهبهن له . قال واثلة بن الأسقع من يمن المرأة تبكيرها بأنثى قبل الذكر ، لأن الله بدأ بالإناث وقال بعضهم : نزلت هذه الآية في الأنبياء عليهم السلام فشعيب ولوط كان لهما إناث دون ذكور وإبراهيم كان له ذكور دون إناث ، ومحمد صلى الله عليه وسلم جمع الإناث والذكور ويحيى كان عقيما والظاهر أنها على العموم في جميع الناس ، إذ كل واحد منهم لا يخلو عن قسم من هذه الأقسام الأربعة التي ذكر وفي الآية من أدوات البيان التقسيم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} (49)

ولما قدم سبحانه في هذه السورة أن له التصرف التام في عالم الخلق بالأجسام المرئية وفي عالم الأمر بالأرواح الحسية والمعنوية القائمة بالأبدان والمدبرة للأديان ، وغير ذلك من بديع الشأن ، فقال في افتتاح السورة { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك } وأتبعه أشكاله إلى أن قال { أم يقولون افترى على الله كذباً فإن يشأ الله يختم على قلبك } الآية { فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفكسم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً } - الآية { له مقاليد السماوات والأرض } { الله لطيف بعباده يرزق من يشاء } { من كان يريد حرث الآخرة } - الاية ، { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } ، { ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام } - الآية إلى أن ذكر أحوال الآخرة في قوله { وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون } - الآيات ، وختم بتصرفه المطلق في الإنسان من إنعام وانتقام ، وما له من الطبع المعوج مع ما وهبه له من العقل المقيم في أحسن تقويم ، فدل ذلك على أن له التصرف التام ملكاً وملكوتاً خلقاً وأمراً ، أتبعه الدليل على أن تصرفه ذلك على سبيل الملك والقهر إيجاداً وإعداماً إهانة وإكراماً ، فقال صارفاً القول عن أسلوب العظمة التي من حقها دوام الخضوع وإهلاك الجبابرة إلى أعظم منها بذكر الاسم الأعظم الجامع لمظهر العظمة ومقام اللطف والإحسان والرحمة نتيجة لكل ما مضى : { لله } أي الملك الأعظم وحده لا شريك له { ملك السماوات } كلها على علوها وارتفاعها وتطابقها وكبرها وعظمها وتباعد أقطارها { والأرض } جميعها على تباينها وتكاثفها واختلاف أقطارها وسكانها واتساعها .

ولما أخبر بانفراده بالملك ، دل عليه بقوله تعالى : { يخلق } أي على سبيل التجدد والاستمرار { ما يشاء } أي وإن كان على غير اختيار العباد ، ثم دل على ذلك بما يشاهد من حال الناس فانه لما استوى البشر في الإنسانية والنكاح الذي هو سبب الولادة اختلفت أصناف أولادهم و كان ذلك أدل دليل على أنه لا اختيار لأحد معه وأن الأسباب لا تؤثر أصلاً إلا به . ولما كانت ولادة الإناث أدل على عدم اختيار الولد وكانوا يعدونه من البلاء الذي ختم به ما قبلها قدمهن في الذكر فقال : { يهب } خلقاً ومولداً { لمن يشاء } أولاداً { إناثاً } أي فقط ليس معهن ذكر كما في لوط عليه الصلاة والسلام ، وعبر سبحانه فيهن بلفظ الهبة لأن الأوهام العادية قد تكتنف العقل فتحجبه عن تأمل محاسن التدبيرات الإلهية ، وترمي به في مهاوي الأسباب الدنيوية ، فيقع المسلم مع إسلامه في مضاهاة الكفار في كراهة البنات وفي وادي الوأد بتضييعهن أو التقصير في حقوقهن وتنبيهاً على أن الأنثى نعمة ، وأن نعمتها لا تنقص عن نعمة الذكر وربما زادت ، وإيقاظاً من سنة الغفلة على أن التقديم وإن كان لما قدمته لا يقدم تأنيساً وتوصية لهن واهتماماً بأمرهن ، نقل ابن ميلق عن ابن عطية عن الثعلبي أن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لأن الله تعالى بدأ بالإناث ، ولذلك رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الإحسان إليهن في أحاديث كثيرة ورتب على ذلك أجراً كبيراً ولأجل تضمين الهبة مع الخلق عداها باللام مع أن فعلها متعد بنفسه إلى مفعولين لئلا يتوهم أن الولد كان لغير الوالد ووهبه الله له .

ولما كان الذكر حاضراً في الذهن لشرفه وميل النفس إليه لا سيما وقد ذكر به ذكر الإناث ، عرف لذلك وجبراً لما فوته من التقديم في الذكر تنبيهاً على أنه ما أخر إلا لما ذكر من المعنى فقال : { ويهب لمن يشاء الذكور * } أي فقط ليس بينهن أنثى كما صنع لإبراهيم عليه السلام وهو عم لوط عليه السلام .