في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

ويصور إحسانهم صورة خاشعة ، رفافة حساسة :

( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون ) . .

فهم الأيقاظ في جنح الليل والناس نيام ، المتوجهون إلى ربهم بالاستغفار والاسترحام لا يطعمون الكرى إلا قليلا ، ولا يهجعون في ليلهم إلا يسيرا . يأنسون بربهم في جوف الليل فتتجافى جنوبهم عن المضاجع ، ويخف بهم التطلع فلا يثقلهم المنام !

قال الحسن البصري : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) . . كابدوا قيام الليل ، فلا ينامون من الليل إلا أقله ، ونشطوا فمدوا إلى السحر ، حتى كان الاستغفار بسحر .

وقال قتادة : قال الأحنف بن قيس : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) . . كانوا لا ينامون إلا قليلا . ثم يقول : لست من أهل هذه الآية .

قال الحسن البصري : كان الأحنف بن قيس يقول عرضت عملي على عمل أهل الجنة ، فإذا قوم قد باينونا بونا بعيدا ، إذ نحن قوم لا نبلغ أعمالهم . كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وعرضت عملي على عمل أهل النار ، فإذا قوم لا خير فيهم ، مكذبون بكتاب الله وبرسل الله مكذبون بالبعث بعد الموت . فقد وجدت من خيرنا منزلة قوما خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : قال رجل من بني تميم لأبي : يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا . ذكر الله تعالى قوما فقال : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) . ونحن والله قليلا من الليل ما نقوم ! فقال له أبي - رضي الله عنه - : طوبى لمن رقد إذا نعس ، واتقى الله إذا استيقظ .

فهي حال يتطلع إليها رجال من التابعين - ذوي المكانة في الإيمان واليقين - ويجدون أنفسهم دونها . اختص بها ناس ممن اختارهم الله ، ووفقهم إلى القيام بحقها . وكتبهم بها عنده من المحسنين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

و من أفضل أنواع الإحسان في عبادة الخالق ، صلاة الليل ، الدالة على الإخلاص ، وتواطؤ القلب واللسان ، ولهذا قال : { كَانُوا } أي : المحسنون { قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } أي : كان هجوعهم أي : نومهم بالليل ، قليلاً ، وأما أكثر الليل ، فإنهم قانتون لربهم ، ما بين صلاة ، وقراءة ، وذكر ، ودعاء ، وتضرع .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

قوله تعالى : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } والهجوع النوم بالليل دون النهار ، و " ما " صلة ، والمعنى : كانوا يهجعون قليلاً من الليل ، أي يصلون أكثر الليل . وقيل : معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلاً ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير عن ابن عباس ، يعني : كانوا أقل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها شيئاً ، إما من أولها أو من أوسطها . قال أخنس ابن مالك : كانوا يصلون ما بين المغرب إلى العشاء . وقال محمد بن علي : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة . قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : كل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها . قال مجاهد : كانوا لا ينامون كل الليل . ووقف بعضهم على قوله : { قليلاً } أي : كانوا من الناس قليلاً ، ثم ابتدأ : { من الليل ما يهجعون } وجعله جحداً أي : لا ينامون بالليل البتة ، بل يقومون للصلاة والعبادة ، وهو قول الضحاك ومقاتل .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

{ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } كانوا ينامون قليلا من الليل

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

{ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } الهجوع النوم وفي معنى الآية قولان :

أحدهما : وهو الصحيح أنهم كانوا ينامون بالليل قليلا من الليل ويقطعون أكثر الليل بالسهر في الصلاة والتضرع والدعاء .

والآخر : أنهم كانوا لا ينامون بالليل قليلا ولا كثيرا ، ويختلف الإعراب باختلاف المعنيين .

فأما على القول الأول ففي الإعراب أربعة أوجه :

الأول : أن يكون { قليلا } خبر كانوا و{ ما يهجعون } فاعل ب{ قليلا } ، لأن { قليلا } صفة مشبهة باسم الفاعل ، وتكون { ما } مصدرية ، والتقدير كانوا قليلا هجوعهم من الليل .

الثاني : مثل هذا إلا أن ما موصولة والتقدير كانوا قليلا الذي يهجعون فيه من الليل .

الثالث : أن تكون { ما } زائدة ، و{ قليلا } ظرف ، والعامل فيه { يهجعون } ، والتقدير كانوا يهجعون وقتا قليلا من الليل .

الرابع : مثل هذا إلا أن { قليلا } صفة لمصدر محذوف ، والتقدير كانوا يهجعون هجوعا قليلا .

وأما على القول الثاني ففي الإعراب وجهان :

أحدهما : أن تكون { ما } نافية ، و{ قليلا } ظرف ، والعامل فيه { يهجعون } ، والتقدير كانوا ما يهجعون قليلا من الليل .

والآخر : أن تكون { ما } نافية ، و{ قليلا } خبر كان ، والمعنى كانوا قليلا في الناس ، ثم ابتدأ بقوله : { من الليل ما يهجعون } .

وكلا الوجهين باطل عند أهل العربية ، لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فظهر ضعف هذا المعنى لبطلان إعرابه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

ثم فسر إحسانهم معبراً عنه بما هو في غاية المبالغة بقوله : { كانوا } أي لما عندهم من الإجلال له والحب فيه بحيث كأنهم مطبوعون عليه ، ولغاية التأكيد وقع الإسناد إليهم مرتين { قليلاً من الليل } الذي هو وقت الراحات وقضاء الشهوات ، وأكد المعنى بإثبات " ما " فقال : { ما يهجعون * } أي يفعلون الهجوع وهو النوم الخفيف القليل ، فما ظنك بما فوقه لأن الجملة تثبت هجوعهم وهو النوم للراحة ، وكسر التعب وما ينفيه{[61336]} ، وذكر الليل لتحقق المعنى فإن الهجوع النوم ليلاً ، فالمعنى أنهم يحيون أكثر الليل وينامون أقله .


[61336]:ليس واضحا في مد.