التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

{ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } الهجوع النوم وفي معنى الآية قولان :

أحدهما : وهو الصحيح أنهم كانوا ينامون بالليل قليلا من الليل ويقطعون أكثر الليل بالسهر في الصلاة والتضرع والدعاء .

والآخر : أنهم كانوا لا ينامون بالليل قليلا ولا كثيرا ، ويختلف الإعراب باختلاف المعنيين .

فأما على القول الأول ففي الإعراب أربعة أوجه :

الأول : أن يكون { قليلا } خبر كانوا و{ ما يهجعون } فاعل ب{ قليلا } ، لأن { قليلا } صفة مشبهة باسم الفاعل ، وتكون { ما } مصدرية ، والتقدير كانوا قليلا هجوعهم من الليل .

الثاني : مثل هذا إلا أن ما موصولة والتقدير كانوا قليلا الذي يهجعون فيه من الليل .

الثالث : أن تكون { ما } زائدة ، و{ قليلا } ظرف ، والعامل فيه { يهجعون } ، والتقدير كانوا يهجعون وقتا قليلا من الليل .

الرابع : مثل هذا إلا أن { قليلا } صفة لمصدر محذوف ، والتقدير كانوا يهجعون هجوعا قليلا .

وأما على القول الثاني ففي الإعراب وجهان :

أحدهما : أن تكون { ما } نافية ، و{ قليلا } ظرف ، والعامل فيه { يهجعون } ، والتقدير كانوا ما يهجعون قليلا من الليل .

والآخر : أن تكون { ما } نافية ، و{ قليلا } خبر كان ، والمعنى كانوا قليلا في الناس ، ثم ابتدأ بقوله : { من الليل ما يهجعون } .

وكلا الوجهين باطل عند أهل العربية ، لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فظهر ضعف هذا المعنى لبطلان إعرابه .