الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

قوله : { كَانُواْ قَلِيلاً } : فيه أوجهٌ ؛ أحدها : أنَّ الكلامَ تَمَّ على " قليلاً " ، ولهذا وَقَفَ بعضُهم على " قليلاً " ليُؤاخيَ بها قولَه تعالى : { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ ص : 24 ] { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] ويَبْتدىء { مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } . أي : ما يَهْجَعون من الليل ، وهذا لا يَظْهر من حيث المعنى ولا من حيث الصناعة : أمَّا الأول فلا بُدَّ أن يَهْجَعوا ولا يُتَصَوَّرُ نَفْيُ هجوعِهم . وأمَّا الصناعةُ فلأنَّ ما في حيِّز النفي لا يتقدَّم عليه عند البصريين ، هذا إنْ جَعَلْتَها نافيةً ، وإنْ جَعَلْتَها مصدريةً صار التقديرُ : من الليل هجوعُهم . ولا فائدةَ فيه لأنَّ غيرَهم من سائر الناس بهذه المَثابة .

الثاني : أَنْ تجعلَ " ما " مصدريةً في محلِّ رفع ب " قليلاً " . والتقدير : كانوا قليلاً هجوعُهم .

الثالث : أَنْ تجعلَ " ما " المصدريةَ بدلاً من اسمِ كان بدلَ اشتمال ، أي : كان هجوعُهم قليلاً ، و " من الليل " على هذين لا يتعلَّق ب " يَهْجَعون " ؛ لأنَّ ما في حَيِّز المصدر لا يتقدَّم عليه على المشهورِ ؛ وبعَضُ المانعين اغتفره في الظرفِ ، فيجوزُ هذا عنده ، والمانع يُقَدِّر فعلاً يدلُّ عليه " يَهْجَعون " أي : يهجعون من الليل .

الرابع : أن " ما " مزيدةٌ و " يَهْجَعون " خبرُ كان . والتقدير : كانوا يَهْجَعون من الليلِ هُجوعاً أو زمناً قليلاً ؛ ف " قليلاً " نعتٌ لمصدرٍ أو ظرف . الخامس : أنها بمعنى الذي ، وعائدُها محذوفٌ تقديره : كانوا قليلاً من الليل الوقتَ الذي يَهْجَعونه ، وهذا فيه تكلُّفٌ .