في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

33

ثم يكشف لهم عن ارتباط أحوال الحياة وأوضاعها بأعمال الناس وكسبهم ؛ وأن فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد ، ويملؤها برا وبحرا بهذا الفساد ، ويجعله مسيطرا على أقدارها ، غالبا عليها :

( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) . .

فظهور الفساد هكذا واستعلاؤه لا يتم عبثا ، ولا يقع مصادفة ؛ إنما هو تدبير الله وسنته . . ( ليذيقهم بعض الذي عملوا )من الشر والفساد ، حينما يكتوون بناره ، ويتألمون لما يصيبهم منه : ( لعلهم يرجعون )فيعزمون على مقاومة الفساد ، ويرجعون إلى الله وإلى العمل الصالح وإلى المنهج القويم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

{ 41 } { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

أي : استعلن الفساد في البر والبحر أي : فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها ، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك ، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها .

هذه المذكورة { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أي : ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت ، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم . فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

ولما بين لهم سبحانه من{[53214]} حقارة شركائهم ما كان حقهم به أن يرجعوا ، فلم يفعلوا ، أتبعه ما أصابهم به على غير ما كان في أسلافهم عقوبة لهم على قبيح ما ارتكبوا ، استعطافاً للتوبة فقال : { ظهر الفساد } أي النقص في جميع ما ينفع الخلق { في البر } بالقحط{[53215]} والخوف ونحوهما { والبحر } بالغرق وقلة الفوائد من الصيد ونحوه من كل ما كان يحصل منه قبل{[53216]} . وقال البغوي{[53217]} : البر البوادي والمفاوز ، والبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية ، قال عكرمة : العرب تسمي المصر بحراً . ثم بين سببه بقوله : { بما } ولما أغنى السياق بدلالته على السيئات عن الافتعال قال : { كسبت } أي عملت من الشر عملاً هو من شدة تراميهم إليه وإن كان على أدنى الوجوه بما أشار إليه تجريد الفعل كأنه مسكوب{[53218]} من علو ، ومن شدة إتقان شره كأنه مسبوك{[53219]} .

ولما كان أكثر الأفعال باليد ، أسند إليها ما يراد به الجملة مصرحاً بعموم كل ما له أهلية التحرك فقال : { أيدي الناس } أي عقوبة لهم على فعلهم . ولما ذكر علته البدائية ، ثنى بالجزائية فقال : { لنذيقهم } أي بما لنا من العظمة{[53220]} في رواية قنبل{[53221]} عن ابن كثير بالنون لإظهار العظمة في الإذاقة للبعض والعفو عن البعض ، وقراءة الباقين بالتحتانية على سنن الجلالة الماضي{[53222]} ؛ وأشار إلى كرمه سبحانه بقوله : { بعض الذي عملوا } أي وباله وحره وحرقته ، ويعفو عن كثير إما أصلاً ورأساً ، وإما عن المعاجلة به ويؤخره إلى وقت ما في الدنيا ، أو إلى الآخرة ، والمراد الجزاء بمثل أعمالهم جزاء لها{[53223]} تعبيراً عن المسبب بالسبب الذي أتوه إلى الناس فيعرفوا{[53224]} إذا سلبوا المال مقدار ما ذاق منهم ذلك الذي سلبوه ، وإذا قتل{[53225]} لهم حميم حرارة ما قاسى حميم من قتلوه ، ونحو ذلك مما استهانوه لما أتوه إلى غيرهم من الأذى البالغ وهم يتضاحكون ويعجبون من جزعه ويستهزئون غافلين عن شدة ما يعاني من أنواع الحرق هو ومن يعز عليه أمره ، ويهمه شأنه ، ويده قد غلها عن المساعدة العجز ، وقصرها الضعف والقهر ؛ ثم ثلث بالعلة الغائية فقال : { لعلهم يرجعون* } أي{[53226]} ليكون حالهم عند من ينظرهم حال من يرجى رجوعه عن فعل مثل ذلك خوفاً من أن يعاد لهم بمثل ذلك من الجزاء .


[53214]:زيد من ظ وم ومد.
[53215]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالحفظ.
[53216]:سقط من ظ وم ومد.
[53217]:في معالم التنزيل بهامش لباب التأويل 5/174.
[53218]:في ظ: سكوب.
[53219]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: مسكوب.
[53220]:زيدت الواو في الأصل وظ، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[53221]:راجع نثر المرجان 5/302.
[53222]:في ظ ومد: الماضية.
[53223]:في ظ: لهم.
[53224]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فينصرفوا.
[53225]:من م ومد، وفي الأصل وظ: قيل.
[53226]:زيد من ظ وم ومد.