في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ} (4)

فأما الحقيقة الداخلية في السورة فهي هذه : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم . ثم رددناه أسفل سافلين . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ) . .

ومنها تبدو عناية الله بخلق هذا الإنسان ابتداء في أحسن تقويم . والله - سبحانه - أحسن كل شيء خلقه . فتخصيص الإنسان هنا وفي مواضع قرآنية أخرى بحسن التركيب ، وحسن التقويم ، وحسن التعديل . . فيه فضل عناية بهذا المخلوق .

وإن عناية الله بأمر هذا المخلوق - على ما به من ضعف وعلى ما يقع منه من انحراف عن الفطرة وفساد - لتشير إلى أن له شأنا عند الله ، ووزنا في نظام هذا الوجود . وتتجلى هذه العناية في خلقه وتركيبه على هذا النحو الفائق ، سواء في تكوينه الجثماني البالغ الدقة والتعقيد ، أم في تكوينه العقلي الفريد ، أم في تكوينه الروحي العجيب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ} (4)

والمقسم عليه قوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أي : تام الخلق ، متناسب الأعضاء ، منتصب القامة ، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرًا أو باطنًا شيئًا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ} (4)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فأقسم الله عز وجل بهؤلاء الآيات الأربع فقال :{ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم }... وأحسن التقويم الشباب ، وحسن الصورة . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ" وهذا جواب القسم ، يقول تعالى ذكره : والتين والزيتون ، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ...

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله "لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ"؛

فقال بعضهم : معناه : في أعدل خلق ، وأحسن صورة ...

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لقد خلقنا الإنسان ، فبلغنا به استواء شبابه وجَلَدِه وقوّته ، وهو أحسن ما يكون ، وأعدل ما يكون وأقومه ...

وقال آخرون : قيل ذلك لأنه ليس شيء من الحيوان إلاّ وهو منكبّ على وجهه غير الإنسان ...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن معنى ذلك : لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها ؛ لأن قوله : ( أحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) إنما هو نعت لمحذوف ، وهو في تقويم أحسن تقويم ، فكأنه قيل : لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } يخرج على وجوه :

أحدهما : أحسن صورة يشاهدون ، ويعاينون ...

والثاني : على أحسن تقويم أي على أحكم تقويم وأتقنه ؛ لأنه جبلهم وأنشأهم على هيئة تهيء لهم استعمال الأشياء كلها في منافعهم والانتفاع بها بحيل وأسباب علمهم إياها ، وجعلها فيهم ومكن لهم ذلك .

( والثالث ) : يحتمل "أحسن تقويم" أي أحكم وأتقن على الدلالة على وحدانية الله وألوهيته .

( والرابع ) : جعلهم أهل تمييز ومعرفة بحيث يكون منهم الخيرات في أنواع الطاعات التي يثابون عليها ، وينالون بها الثواب الجزيل ، والكرامة العظيمة ما لا يكون لغيرهم . ...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

وقال أبو بكر بن ظاهر : مزيناً بالعقل ، مؤدّباً بالأمر ، مهذّباً بالتمييز ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والتقويم تصيير الشيء على ما ينبغي أن يكون عليه من التأليف والتعديل...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى خَلْقٌ هُوَ أَحْسَنُ من الْإِنْسَانِ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ حَيًّا عَالِمًا ، قَادِرًا ، مُرِيدًا ، مُتَكَلِّمًا ، سَمِيعًا ، بَصِيرًا ، مُدَبِّرًا ، حَكِيمًا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ لقد خلقنا } أي قدرنا وأوجدنا بما لنا من العظمة الباهرة والعزة الغالبة القاهرة { الإنسان } أي هذا النوع الذي جمع فيه الشهوة والعقل وفيه الأنس بنفسه ما ينسيه أكثر ...{ في أحسن تقويم } أي كائن منا روحاً وعقلاً أو أعم من ذلك بما جعلنا له من حسن الخلق والخلق بما خص به من انتصاب القامة ، وحسن الصورة ، واجتماع خواص الكائنات ....

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أفادت الآية أن الله كوَّن الإِنسان تكويناً ذاتياً مُناسباً ما خلق له نوعه من الإِعداد لنظامه وحضارته ، وليس تقويم صورة الإِنسان الظاهرة هو المعتبر عند الله تعالى ولا جديراً بأن يقسم عليه إذ لا أثر له في إصلاح النفس ، وإصلاح الغير ، والإِصلاح في الأرض ، ولأنه لو كان هو المراد لذهبت المناسبة التي في القَسَمْ بالتين والزيتون وطور سينين والبلدِ الأمين . وإنما هو متمّم لتقويم النفس قال النبي صلى الله عليه وسلم « إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم » فإن العقل أشرف ما خص به نوع الإنسان من بين الأنواع . فالمرضيّ عند الله هو تقويم إدراك الإِنسان ونظره العقلي الصحيح لأن ذلك هو الذي تصدر عنه أعمال الجسد إذ الجسم آلة خادمة للعقل فلذلك كان هو المقصود من قوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } . وأما خلق جسد الإِنسان في أحسن تقويم فلا ارتباط له بمقصد السورة ويظهر هذا كمال الظهور في قوله : { ثم رددناه أسفل سافلين } فإنه لو حمل الرد أسفل سافلين على مصير الإِنسان في أرذل العمر إلى نقائص قوته كما فسر به كثير من المفسرين لكان نبوّه عن غرض السورة أشد ، وليس ذلك مما يقع فيه تردد السامعين حتى يحتاج إلى تأكيده بالقسم ويدل لذلك قوله بعده : { إلا الذين آمنوا } [ التين : 6 ] لأن الإِيمان أثر التقويم لعقل الإنسان الذي يلهمه السير في أعماله على الطريق الأقوم.......

والذي نأخذه من هذه الآية أنَّ الإنسان مخلوق على حالة الفطرة الإِنسانية التي فطر الله النوع ليتصف بآثارها ، وهي الفطرة الإنسانية الكاملة في إدراكه إدراكاً مستقيماً ....

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

وأحسن تقويم شامل لخلق الإنسان حساً ومعنى ، أي شكلاً وصورة وإنسانية ، وكلها من آيات القدرة ودلالة البعث... والتأكيد بالقسم المتقدم على خلق الإنسان في أحسن تقويم ، يشعر أن المخاطب منكر لذلك ، مع أن هذا أمر ملموس محسوس ، لا ينكره إنسان ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«تقويم » يعني تسوية الشيء بصورة مناسبة ، ونظام معتدل ، وكيفية لائقة ، وسعة مفهوم الآية يشير إلى أنّ اللّه سبحانه خلق الإنسان بشكل متوازن لائق من كلّ الجهات ، الجسمية والروحية والعقلية ، إذ جعل فيه ألوان الكفاءات ، وأعدّه لتسلق سلّم السموّ ، وهو - وإن كان جرماً صغيراً - وضع فيه العالم الأكبر ، ومنحه من الكفاءات والطاقات ما جعله لائقاً لوسام ( ولقد كرمنا بني آدم ) ، وهذا الإنسان هو الذي يقول فيه اللّه سبحانه بعد ذكر انتهاء خلقته : ( فتبارك اللّه أحسن الخالقين ) ، وهذا الإنسان بكل ما فيه من امتيازات ، يهبط حين ينحرف عن مسيرة اللّه إلى «أسفل سافلين » . ...

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ} (4)

{ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } فيه قولان :

أحدهما : أن أحسن التقويم هو حسن الصورة وكمال العقل والشباب والقوة ، وأسفل سافلين الضعف والهرم والخرف فهو كقوله تعالى : { ومن نعمره ننكسه في الخلق } [ يس : 68 ] وقوله : { جعل من بعد قوة ضعفا } [ الروم : 54 ] وقوله : { إلا الذين آمنوا } بعد هذا غير متصل بما قبله ، والاستثناء على هذا القول منقطع بمعنى لكن ؛ لأنه خارج عن معنى الكلام الأول .

والآخر : أن حسن التقويم الفطرة على الإيمان ، وأسفل سافلين الكفر أو تشويه الصورة في النار ، والاستثناء على هذا متصل ؛ لأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لم يردوا أسفل سافلين .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ} (4)

ولما كان هذا القسم مع كونه جامعاً لبدائع المصنوعات التي هي لما ذكر من حكمها دالة على كمال علم خالقها وتمام قدرته جامعاً لأكثر الذين آمنوا ، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام لكونه أباهم مذكوراً مرتين بالأرض المقدسة من القدس ومكة ، فتوقع أكمل الخلق وأفطنهم المخاطب بهذا الذكر المقسم عليه علماً منه ببلوغ القسم إلى غايته واستوائه على نهايته ، أجيب بقوله تعالى محققاً : { لقد خلقنا } أي قدرنا وأوجدنا بما لنا من العظمة الباهرة والعزة الغالبة القاهرة { الإنسان } أي هذا النوع الذي جمع فيه الشهوة والعقل وفيه الأنس بنفسه ما ينسيه أكثر مهمه ، ولهذا قالت الملائكة عليهم الصلاة والسلام : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء }[ البقرة : 30 ] لأنهم علموا أنه إذا جمع الغضب والشهوة إلى العقل جاءت المنازعة ، فيتولد الفساد من الشهوة ، والسفك من الغضب .

{ في أحسن تقويم * } أي كائن منا روحاً وعقلاً أو أعم من ذلك بما جعلنا له من حسن الخلق والخلق بما خص به من انتصاب القامة ، وحسن الصورة ، واجتماع خواص الكائنات ، ونظائر سائر الممكنات ، بعد ما شارك فيه غيره من السمع والبصر والذوق واللمس والشم الجوارح التي هيأته لما خلق له حتى قيل إنه العالم الأصغر كما مضى بسط ذلك في سورة الشمس ، ثم ميزناه بما أودعناه فيه بما جعلناه عليه من الفطرة الأولى التي لا تبديل لها من الطبع الأول السليم الذي هيأناه به ، وقويناه بقدرتنا لقبول الحق ، وبمثل ما قلته في حمل الآية على الفطرة الأولى قال الأصفهاني في تفسير

{ كان الناس أمة واحدة }[ البقرة : 213 ] في البقرة ، وقال ابن برجان هنا : مفطور على فطرة الإسلام الدين القيم ، ثم لما منحناه به من العقل المدرك القويم ، فكما جعلنا له شكلاً يميزه عن سائر الحيوان منحناه عقلاً يهديه إلى العروج عن درك النيران إلى درج الجنان بالإيمان والأعمال الصالحة البالغة نهاية الإحسان ، بدليل من فيه من الأنبياء الذين أكملهم محمد على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام والتابعين له بإحسان الذين ملأوا الأرض علماً وحكمةً ونوراً . قال البغوي : خلقه سبحانه وتعالى مديد القامة يتناول مأكوله بيده مزيناً بالعقل والتمييز - انتهى . والعقل هو المقصود في الحقيقة من الإنسان لأن من أسمائه اللب ، ومن المعلوم أن المقصود من كل شيء لبه وهو الشرع كما مضى في آخر النساء ، والظاهر أن عقول الناس بحسب الخلق متقاربة ، وأنها إنما تفاوتت بحسب الجبلة فبعضهم جعل سبحانه وتعالى عنصره وجبلته في غاية الفساد ، فلا تزال جبلته تردي على عقله فيتناقص إلى أن يصير إلى أسوأ الأحوال ، فكل ميسر لما خلق له ، وبعضهم يصرف عقله بحسب ما هيأه الله له إلى ما ينجيه ، وبعضهم يصرفه لذلك إلى ما يرديه ، لأنك تجد أعقل الناس في شيء وأعرفهم به أشدهم بلادة في شيء آخر ، وأغباهم في شيء أذكاهم في شيء آخر ، فاعتبر ذلك ، وبذلك انتظم أمر الخلق في أمر معاشهم بالعلوم والصنائع والأحوال ، والله الهادي ، وهذه الآية تدل على أن الله سبحانه وتعالى منزه عن التركيب والصورة لأنه لو كان في شيء منهما لكان هو الأحسن ، لأن كل صفة يشترك فيها الخلق والحق فالمبالغة للحق كالعالم والأعلم والكريم والأكرم ، قاله الأستاذ أبو القاسم القشيري في تفسيره ، وصيغة " أفعل " لا تدل على ما قاله الزنادقة ، وإن عزي ذلك إلى بعض الأكابر من قولهم : ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لأن الدرجة الواحدة تتفاوت إلى ما لا يدخل تحت حصر كتفاوت أفراد الإنسان في صوره وألوانه ، وغير ذلك من أكوانه وبديع شأنه ، وقد بينت ذلك في تصنيف مفرد لهذه الكلمة سميته : تهديم الأركان من " ليس في الإمكان أبدع مما كان " ، وأوضحته غاية الإيضاح والبيان ، وجرت فيه فتن تصم الآذان ، ونصر الله الحق بموافقة الأعيان ، وقهر أهل الطغيان ، ثم أردفته بكتاب " دلالة البرهان على أن في الإمكان أبدع مما كان " ثم شفيت الأسقام ، ودمغت الأخصام ، وخسأت الأوهام بالقول الفارق بين الصادق والمنافق ، وهو نحو ورقتين في غاية الإبداع في قطع النزاع ، ويمكن أن تكون صيغة أفعل مفيدة بالنسبة إلى شيء أراده الله بحيث إن نتفطن له نحن ؛ لأن من المجمع عليه عند أهل السنة وصرح به الأشعري وغيره في غير موضع من كتبهم أن الله تعالى لا تتناهى مقدوراته ، وممن صرح بما صرح به الأشعري وأكثر فيه الإمام حجة الإسلام الغزالي في كتابه " الإحياء " وغيره ولا سيما كتابه " تهافت الفلاسفة " ، وبين أن هذا من قواعدهم لنفيهم صفة الإرادة ، وقولهم بأن فعله بالذات ، وبين فساد ذلك ، وأنه سبحانه وتعالى قادر على اختراع عالم آخر وثالث متفاوتة بالصغر والكبر ، وعلى كل ممكن ، وعرف أن الممكن هو المقدور عليه ، وأنه يرجع إلى المقدور عليه أيضاً ممكن ، وعرف الممتنع بأنه إثبات الشيء مع نفيه ، وإثبات الأخص مع نفي الأعم ، وإثبات الاثنين مع نفي الواحد ، وقال : وما لا يرجع إلى ذلك فهو ممكن ، فدخل فيه عالم أبدع من هذا العالم ، والله الموفق لما يريد .