فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ} (4)

{ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } هذا جواب القسم : أي خلقنا جنس الإنسان كائناً في أحسن تقويم وتعديل . قال الواحدي : قال المفسرون : إن الله خلق كل ذي روح مكباً على وجهه إلاّ الإنسان ، خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده ، ومعنى التقويم : التعديل . يقال : قوّمته فاستقام . قال القرطبي : هو اعتداله واستواء شأنه ، كذا قال عامة المفسرين . قال ابن العربي : ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان ، فإن الله خلقه حياً عالماً قادراً مريداً متكلماً سميعاً بصيراً مدبراً حكيماً ، وهذه صفات الرب سبحانه ، وعليها حمل بعض العلماء قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله خلق آدم على صورته » يعني : على صفاته التي تقدم ذكرها . قلت : وينبغي أن يضم إلى كلامه هذا قوله سبحانه : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء } [ الشورى : 11 ] وقوله : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] ومن أراد أن يقف على حقيقة ما اشتمل عليه الإنسان من بديع الخلق وعجيب الصنع فلينظر في كتاب : ( العبر والاعتبار ) للجاحظ ، وفي الكتاب الذي عقده النيسابوري على قوله : { وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 21 ] وهو في مجلدين ضخمين .

/خ8