تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ} (4)

الآية 4 : وقوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } قال أهل التأويل : على هذا وقع القسم ، لكن القسم بغيره أولى وأقرب ، لأنهم قد شاهدوا وعرفوا أنه خلق الإنسان على أحسن تقويم ، إذ لم يتمن أحد أن يكون على غير هذا التقويم وعلى غير هذه الصورة التي أنشأها عليه .

والأشبه أن يكون القسم واقعا على قوله : { ثم رددناه أسفل سافلين } ( الآية : 5 ) لما فيه دفع الإنكار والتكذيب ، وهو نار جهنم ، فأكد ذلك بالقسم ، كأنه قال تعالى : مع أنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم نردهم إلى أسفل السافلين لكفرهم وعنادهم سوى المؤمنين .

ثم قوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } يخرج على وجوه :

أحدهما : أحسن صورة يشاهدون ، ويعاينون ، لأن الملائكة جعلهم أحسن صورة وأحسن تقويما من البشر ، ولكن يرجع إلى سائر / 647 ب/ الخلائق دونهم ، وذلك لأن خلق البشر على صورة ، لا يتمنى أحد منهم أن يكون على غير صورة البشر ، دل أنه على أحسن صورة .

والثاني : على أحسن تقويم أي على أحكم تقويم وأتقنه ؛ لأنه جبلهم وأنشأهم على هيئة تهيء{[23835]} لهم استعمال الأشياء كلها في منافعهم والانتفاع بها بحيل وأسباب علمهم ( إياها ، وجعلها ){[23836]} فيهم ومكن لهم ذلك .

( والثالث ){[23837]} : يحتمل ( أحسن تقويم } أي أحكم وأتقن على الدلالة على وحدانية الله وألوهيته .

( والرابع ){[23838]} : جعلهم أهل تمييز ومعرفة بحيث يكون منهم الخيرات في أنواع الطاعات التي يثابون عليها ، وينالون بها الثواب الجزيل ، والكرامة العظيمة ما لا يكون لغيرهم .


[23835]:في الأصل وم: يتهيأ
[23836]:في الأصل وم: وجعل
[23837]:في الأصل وم: و
[23838]:في الأصل وم: أو