فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ} (4)

{ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } هذا جواب القسم ، أي خلقنا جنس الإنسان كائنا في أحسن تقويم وتعديل لصورته ، وقال ابن عباس : في أحسن خلق .

قال الواحدي : قال المفسرون : إن الله خلق كل ذي روح مكبا على وجهه إلا الإنسان خلقه مديدا ، يتناول مأكول بيده ، مزينا بالعلم والفهم والنطق والعقل والتمييز والأدب ، فهو أحسن الخلق بحسب الظاهر والباطن ، ومعنى التقويم التعديل ، يقال : قومته فاستقام ، والمراد القوام ؛ لأن التقويم فعل الباري تعالى .

قال القرطبي : هو اعتداله واستواء شأنه ، كذا قال عامة المفسرين . قال ابن العربي : ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان ، فإن الله خلقه حيا عالما قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا مدبرا حكيما ، وهذه صفات الرب سبحانه ، وعليها حمل بعض العلماء قوله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم " إن الله خلق آدم على صورته " يعني على صفاته التي تقدم ذكرها .

قلت : وينبغي أن يضم إلى كلامه هذا قوله سبحانه { ليس كمثله شيء } وقوله { ولا يحيطون به علما } .

ومن أراد أن يقف على حقيقة ما اشتمل عليه الإنسان من بديع الخلق ، وعجيب الصنع ، فلينظر في كتاب " العبر والاعتبار " للجاحظ ، وفي الكتاب الذي عقده النيسابوري على قوله { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } وهو في مجلدين ضخمين .

روي أن رجلا قال لامرأته إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق ، فأفتى بعض أهل العلم بأنها صارت مطلقة ، وقال الشافعي : لم تطلق لأنها من جنس الإنسان ، والله تعالى يقول { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } فلو كان القمر أحسن صورة من الإنسان لم يصفه سبحانه تقويم ، ولنعم ما قيل :

ما أنت مادحها يا من يشبهها *** بالشمس والبدر بل أنت هاجيها{[1725]}

من أين للشمس خال فوق وجنتها *** ومضحك من نظام الدر في فيها

من أين للبدر أجفان مكحلة *** بالسحر والغنج تجري في حواشيها


[1725]:البيت من شواهد الفراء(371)، وهو في الطبري 30/ 241، والقرطبي 20/ 113.