اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ} (4)

قوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان } ، هذا جواب القسم [ وأراد بالإنسان الكافر .

قيل : هو الوليد بن المغيرة .

وقيل : كلدة بن أسيد .

فعلى هذا نزلت في منكري البعث .

وقيل : المراد بالإنسان ]{[60506]} : آدم - عليه الصلاة والسلام - وذريته .

وقوله : { في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } صفة لمحذوف ، أي : في تقويم أحسن تقويم .

وقال أبو البقاء{[60507]} : «فِي أحسن تَقْويمٍ » في موضع الحال من الإنسان ، وأراد بالتقويم : القوام ؛ لأن التقويم فعل ، وذاك وصف للخالق لا المخلوق ، ويجوز أن يكون التقدير : في أحسن قوام التقويم ، فحذف المضاف ، ويجوز أن تكون «فِي » زائدة ، أي : قوَّمنَا أحسن تقويمٍ . انتهى .

فصل في معنى الآية

قال المفسرون : أحسن تقويم ، واعتداله ، واستواء أسنانه ، لأنه خلق كلَّ شيء منكباً على وجهه ، وخلق هو مستوياً ، وله لسان ذلق ، ويد وأصابع يقبض بها .

قال ابن العربي : ليس لله - تعالى - خلق أحسن من الإنسان ، فإن الله خلقه حياً ، عالماً ، قادراً ، مريداً ، متكلماً ، سميعاً ، بصيراً ، مدبراً ، حكيماً ، وهذه صفات الرب سبحانه ، وعنها عبر بعض العلماء ، ووقع البيان بقوله : إن الله خلق آدم عليه السلام على صورته ، يعني : على صفاته التي قدمنا ذكرها ، وفي رواية «عَلَى صُورةِ الرَّحْمَن » ومن أين تكون للرحمن صورة مشخصة ، فلم يبق إلا أن تكون معاني .

روي أن عيسى بن موسى الهاشمي ، كان يحبُّ زوجته حبًّا شديداً ، فقال لها يوماً : أنت طالقٌ ثلاثاً إنْ لم تكوني أحسن من القمر ، فنهضت واحتجبت عنه ، وقالت : طلقتني ، وبات بليلة عظيمة ، فلما أصبح غدا إلى دار المنصور ، فأخبره الخبر ، وأظهر للمنصور جزعاً عظيماً ، فاستحضر الفقهاء واستفتاهم ، فقال جميع من حضر : قد طلقت إلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة ، فإنه كان ساكتاً ، فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم ؟ فقال له الرجل : بسم الله الرحمن الرحيم : { والتين والزيتون وَطُورِ سِينِينَ وهذا البلد الأمين لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ، يا أمير المؤمنين ، فالإنسان أحسنُ الأشياء ، ولا شيء أحسن منه ، فقال المنصور لعيسى بن موسى : الأمر كما قال الرجل ، فأقبل على زوجتك ، وأرسل أبو جعفر المنصور إلى زوجة الرجل أن أطيعي زوجك ولا تعصيه ، فما طلقك .

فهذا يدلك على أنَّ الإنسان أحسن خلق الله تعالى باطناً وظاهراً ، جمال هيئة ، وبديع تركيب ، الرأس بما فيه ، والبطن بما حواه ، والفَرْج وما طواه ، واليدان وما بطشتاه ، والرجلان وما احتملتاه ، ولذلك قالت الفلاسفة : إنه العالم الأصغر ؛ إذ كل ما في المخلوقات أجمع فيه .


[60506]:سقط من ب.
[60507]:الإملاء 2/289.