في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (42)

36

( الله يتوفى الأنفس حين موتها ، والتي لم تمت في منامها . فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) . .

فالله يستوفي الآجال للأنفس التي تموت . وهو يتوفاها كذلك في منامها - وإن لم تمت بعد - ولكنها في النوم متوفاة إلى حين . فالتي حان أجلها يمسكها فلا تستيقظ . والتي لم يحن أجلها بعد يرسلها فتصحو . إلى أن يحل أجلها المسمى . فالأنفس في قبضته دائماً في صحوها ونومها .

( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (42)

المفردات :

الله يتوفى الأنفس : يقبضها من الأبدان عند فناء آجالها ، وهي الوفاة الكبرى .

والتي لم تمت في منامها : ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها ، وهي الوفاة الصغرى .

فيمسك التي قضى عليها الموت : يحفظها ولا يردُّها إلى البدن .

ويرسل الأخرى : يردّ النفس النائمة إلى البدن عند اليقظة .

أجل مسمى : وقت سمّاه الله ينتهي به عمرها .

لآيات : لعظات بالغات .

التفسير :

42- { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } .

يقبض الله أرواح الموتى بواسطة ملك الموت ومن يساعده من الملائكة .

قال تعالى : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } . ( الأنعام : 61 ) .

والله تعالى يتوفى أنفس النائمين عند النوم ، فتجتمع أرواح النائمين وأرواح الميتين .

عن علي رضي الله عنه قال : تخرج الروح عند النوم ، ويبقى شعاعها في الجسد ، فبذلك يرى الرؤيا ، فإذا انتبه من النوم عادت الروح إلى جسده بأسرع من لحظة .

وعن سعيد بن جبير : إن أرواح الأحياء وأرواح الأموات تتلقى في المنام ، فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت ، ويرسل الأخرى إلى أجسادها ، إلى انقضاء مدة حياتها {[601]} .

قال القرطبي :

وفي الآية تنبيه على عظيم قدرته تعالى ، وانفراده بالألوهية ، وأنه يحيى ويميت ويفعل ما يشاء . لا يقدر على ذلك سواه . ا ه .

{ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } .

فيما ذكر لدلائل واضحة لقوم يُعمِلون عقولهم ، ويتفكرون ويتأملون ، في أنه تعالى هو المتصرف في الوجود كما يشاء ، وأنه سبحانه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى ، بما يرسل من الملائكة الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان ، والوفاة الصغرى عند المنام .

قال تعالى : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون } . ( الأنعام : 60 ) .

أخرج البخاري ، ومسلم ، من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره – طرفه الذي يلي الجسد ويلي الجانب الأيمن - فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم ليقل : باسمك ربّي وضعت جنبي وباسمك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " {[602]} .

وأخرج أحمد ، والبخاري ، وأبو داود ، عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ليلة الوادي : " إن الله تعالى قبض أرواحكم حين شاء وردّها عليكم حين شاء " {[603]} .

وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن سليم بن عامر أن عمر بن الخطاب قال : العجب من رؤيا الرجل أنه يبيت فيرى الشيء ولم يخطر على باله ، فتكون رؤياه كأخذ باليد ، ويرى الرجل الرؤيا فلا تكون رؤياه شيئا ، فقال علي رضي الله عنه : أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين ؟ يقول الله تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى . . . } فالله يتوفى الأنفس كلها ، فما رأت وهي عنده سبحانه في السماء فهي الرؤيا الصادقة ، وما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها فهي الكاذبة ، لأنها إذا أرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها ، وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها ، فعجب عمر من قوله رضي الله عنهما .

ونلاحظ أنه لا منافاة بين هذه الآية التي صرحت بأن الله تعالى هو الذي يتوفى الأنفس عند موتها ، وبين قوله تعالى : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } . ( السجدة : 11 ) .

وقوله تعالى : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرّطون } . ( الأنعام : 61 ) .

لأن المتوفّى في الحقيقة هو الله تعالى ، وملك الموت إنما يقبض الأرواح بإذنه سبحانه ، ولملك الموت أعوان وجنود من الملائكة ينتزعون الأرواح بأمره المستمد من أمر الله عز وجل .

قال القرطبي في تفسيره :

وفي الآية تنبيه على عظيم قدرته سبحانه وتعالى وانفراده بالألوهية ، وأنه يفعل ما يشاء ويحيى ويميت ، ولا يقدر على أحد سواه .

ويقول أيضا :

فإذا يقبض الله الروح في حالين ، في حال النوم وحال الموت ، فما قبضه في حال النوم ، فمعناه أنه يغمره بما يحبسه عن التصرف فكأنه شيء مقبوض . . . ، وما يقبضه في حال الموت فهو يمسكه ولا يرسله إلى يوم القيامة .


[601]:تفسير النسفي الجزء الرابع ص 59.
[602]:إذا أوى أحدكم إلى فراشه: رواه البخاري في الدعوات(6320) وفي التوحيد (7393) ومسلم في الذكر (2714) من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".
[603]:إن الله قبض أرواحكم: رواه البخاري في مواقيت الصلاة (595) من حديث أبي قتادة قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله، قال:" أخاف أن تناموا عن الصلاة"، قال بلال: أنا أوقظكم فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس فقال:" يا بلال أين ما قلت "؟ قال: ما ألقيت على نومة مثلها قط، قال:" إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة "، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابيضت قام فصلى.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (42)

قوله : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } المراد بالأنفس الأرواح وقيل : النفس غير الروح ، فالروح لها تدبير عالم الحياة ، وأما النفس فلها تدبير عالم الإحساس . وهو قول ابن عباس وغيره . والأظهر أنهما اسمان مترادفان فهما شيء واحد . وإن فراق ذلك من الأجساد يعني موتها وهو تأويل قوله : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } أي يقبضها عن الأبدان بأن يقطع تعلّقها عنها وتلك هي الوفاة الكبرى .

قوله : { وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } أي يتوفى الأنفس حين تنام – تشبيها للنائمين بالموتى – وتلك هي الموتة الصغرى التي يُسلبْ فيها النائم القدرة على الإدراك والإحساس والوعي ، مع أنه يتنفس ، وقلبه خافق ينبض . ويصطلح الباحثون في الدراسات النفسية الحديثة على عبارة اللاشعور ، ويسمون ذلك بالعقل الباطن . وذلك شطر أساسي وكبير يجد الإنسان فيه متنفسه أثناء النوم . وهو الشطر الواسع من النفس ، الذي تحتشد في خضمِّه كل الرغبات المكبوتة للإنسان ، والتي عجز الإنسان عن تحقيقها وبلوغها في حال اليقظة أو الشعور فانحشرت جميعها في عالم اللاشعور من نفس الإنسان . وذلك هو الكبت . فما يجد المرء المكبوت بذلك من متسع للتنفيس عن هذه الرغبات المضغوطة المكبوتة إلا في الأحلام عند المنام . ويبقى مثل هذا التحليل للنفس الإنسانية مجرد تصوّر يتخيله الباحثون في علم النفس . وهو تصوّر يحتمل الخطأ والصواب ، في حق شطر من الأحلام ، لا كلها . فشطر من الأحلام – قلّ أو كثر – ربما كان نتيجة لإحساسات مختلفة من الأفراح والأحزان أو لرغائب محبوسة لم يتيسر لها التحقق والنفاذ ، أما أن تُفسَّر الأحلام على أنها كلها تعبير عن رغبات مكبوتة فذلك إسراف في الهوى والخطأ ومجانبة للحق والصواب ، وركون للخيال والتخريص الواهم ؛ بل الصحيح أن شطرا عظيما من الأحلام لهو تجليات روحية صادقة وارتباط وثيق حقيقي بالملأ الأعلى في السماء . وهذا الشطر من الأحلام سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالمبشرات وهي جزء من النبوة الكريمة .

ومن أصدق الاحتجاج لهذه الحقيقة رؤى النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت ما تلبث أن تتحقق وتستبين في الواقع . وكذلك المؤمنون من بعده يرى كثير منهم الرؤى ثم يجدون تفسيرها في حياتهم وقد ظهر تأويلها واضحا لا شك فيه .

قوله : { فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ } أي يقبضها فلا يردها وذلك هو الموت الحقيقي { وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى } أي يطلق النفس الأخرى وهي النائمة { إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أي على الوقت المؤجل حتى تموت .

قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الإشارة ، إلى توفِّي الأنفس ، وفاتين : وهما وفاة الموت ووفاة النوم ؛ إذ يمسك الله الأولى بقبضها ، وإرسال الأخرى النائمة ؛ فإن في ذلك آيات ظاهرة على قدرة الصانع العظيم . وهي آيات مكشوفة يتدبرها أولو العقول السليمة ، الذين يُجيلون فيها أفكارهم فيعتبرون كل الاعتبار{[3982]}


[3982]:روح المعاني ج 24 ص 6-8 وتفسير النسفي ج 4 ص 59 والبحر المحيط ج 7 ص 414 والكشاف ج 3 ص 400.