غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (42)

32

ثم أكد كون الهداية والضلال من الله تعالى بقوله { والله يتوفى الأنفس } وذلك أن الحياة واليقظة تشبه الهداية ، والموت والنوم يضاهي الضلال . فكما أن الحياة والموت واليقظة والنوم لا يحصلان إلا بتخليق الله وتكوينه فكذلك الهداية والضلال ، والعارف بهذه الدقيقة عارف بسر الله في القدر ، ومن عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب ، ففيه تسلية أخرى للنبي صلى الله عليه وسلم . وقيل في وجه النظم : إنه تعالى أراد أن يذكر حجة أخرى على إثبات الإله العليم القدير ليعلم أنه أحق بالعبادة من كل ما سواه فضلاً عن الأصنام . ومعنى الآية أن الله تعالى يتوفى الأنفس حين موتها . قال جار الله : أراد بالأنفس الجملة كما هي لأنها هي التي تنام وتموت { و } يتوفى الأنفس { التي لم تمت في منامها } أي يتوفاها حيت تنام تشبيهاً للنائمين بالموتى كقوله

{ وهو الذي يتوفاكم بالليل } [ الأنعام : 60 ] والحاصل أنه يتوفى الأنفس مرتين ، مرة عند موتها ومرة عند نومها فتكون " في " متعلقة ب { يتوفى } والتوفي مستعمل في الأول حقيقة وفي الثاني مجازاً ، ولم يجوّزه كثير من أئمة الأصول . وقال الفراء : " في " متعلقة بالموت وتقديره : ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها عند انقضاء حياتها . ثم بين الفرق بين الحالين بقوله { فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } من غير غلط . وقال حكماء الإسلام : النفس الإنسانية جوهر مشرق نوراني إذا تعلق بالبدن حصل ضوءه في جميع الأعضاء ظاهرها وباطنها وهو الحياة واليقظة . وأما في وقت النوم فإن ضوءه لا يقع إلا على باطن البدن وينقطع عن ظاهره ، فتبقى نفس الحياة التي بها النفس وعمل القوى البدنية في الباطن ويفنى ما به التمييز والعقل ، وإذا نقطع هذا الضوء بالكلية عن البدن فهو الموت ، ومثل هذا التدبير العجيب لا يمكن صدوره إلا من القدير الخبير الذي لا شريك له في ملكه ولا نظير ، ولهذا ختم الآية بقوله { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } ثم كان لمشرك أن يقول : إنما نعبد الأصنام لأنها تماثيل أشخاص كانوا عند الله مقربين فنحن نرجو شفاعتهم فأنكر الله عليهم بقوله : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } .

/خ75