ثم قال تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها }( أي يقبض الأرواح عند فناء آجالها وانقضاء مدة حياتها ويقبض أيضا التي لم تمت في منامها ){[58991]} كما يتوفى التي ماتت عند مماتها فيرسل نفس النائم ويمسك نفس الميت ، فإذا جاء وقت أجل{[58992]} النائم قبض نفسه ولم يردها إليه .
قال ابن جبير : يقبض الله عز وجل أرواح الأحياء النائمين وأرواح الموتى فتلتقي أرواح الأحياء وأرواح الموتى ، ثم يرسل الله{[58993]} أرواح{[58994]} الأحياء النائمين{[58995]} ، ويمسك أرواح{[58996]} الموتى{[58997]} .
وعن ابن عباس أنه قال{[58998]} : يلتقي أرواح الموتى وأرواح النائمين{[58999]} فيتساءلون بينهم ، ثم يمسك الله عز وجل أرواح{[59000]} الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها إلى أجل مسمى ، وهو الموت{[59001]} .
وقال الفراء : المعنى : ويقبض التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها . قال : وقد يكون توفيها نومها{[59002]} ، فالتقدير عنده : {[59003]} والتي لم تمت ، نومها : وفاتها .
وقال ابن جبير : معناه أن الله جل ذكره يجمع بين أرواح الأحياء والموتى{[59004]} ، فيتعارف منهما{[59005]} ما شاء الله أن يتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت{[59006]} ويرسل الأخرى إلى أجسادها{[59007]} .
وقال السدي : يقبض الله عز وجل روح{[59008]} النائم في منامه فتلقى الأرواح بعضها بعضا أرواح الموتى وأرواح النيام ( فتلتقي فتسأل ){[59009]} .
قال فيخلي الله عز وجل عن أرواح الأحياء فترجع إلى أجسادها{[59010]} إلى أجل مسمى – أي : إلى بقية آجالها – وتريد{[59011]} الأخرى أن ترجع فيحبس التي قضى عليها الموت ، وهو قول ابن زيد{[59012]} .
وقال بعض أهل اللغة : النفس على معنيين : نفس التمييز ، ونفس الحياة . ونفس{[59013]} التمييز هي من نفس الحياة وليس/ نفس الحياة هي نفس التمييز لوجودنا النائم معه نفس الحياة ولا تمييز له{[59014]} .
فنفس التمييز ترتبط{[59015]} بنفس الحياة في حال وتفارقها في حال .
فتنفرد نفس الحياة ، وليس تنفرد نفس التمييز بالبقاء البتة في الجسد ، وتنفرد نفس الحياة بالبقاء في البدن . فالتي تقبض عند النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة ، والتي تقبض عند الموت هي نفس الحياة ، ( فذهاب نفس الحياة ){[59016]} لا عودة بعده في الدنيا ، وذهاب نفس التمييز له رجعة{[59017]} في الدنيا .
ونفس الحياة بها يكون التمييز والحركة والنفس ، ونفس التمييز لا تكون إلا تابعة لنفس الحياة فهي جزء منها . ألا ترى أن التمييز يذهب والحياة والنفس والحركة باقية ، ولو ذهبت نفس الحياة لم يبق ( تمييز ولا نفس ){[59018]} ولا حركة . فالجملة{[59019]} نفس واحدة إلا أنها تنقسم في المنافع .
فصاحب هذا القول ينحو إلى أن{[59020]} النفس التي هي التمييز هي العقل ، كأن التمييز هو العقل الذي تميز به الأشياء فهو مرتبط بالحياة ، فسمي نفسا لارتباطه بالنفس والحياة{[59021]} .
وقيل : إن المعنى على هذا التأويل : الله يتوفى الأنفس حين موتها بإزاله أرواحها وتمييزها ويتوفى التي لم تمت في منامها بإزالة تمييزها دون حياتها ، وهذا هو القول الذي قبله مختصرا{[59022]} .
ثم قال : { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } أي : في قبض الله عز وجل نفس النائم وردها عليه ، وقبضه نفس الميت ومنها من الرد عليه ، لَعِبَراً وعظات لمن تفكر وتدبر ، وبيانا أن من فعل هذا يقدر على أن يحيى الموت إذا شاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.