البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (42)

ولما ذكر تعالى أنه أنزل الكتاب على رسوله بالحق للناس ، نبه على أنه من آياته الكبرى يدل على الوحدانية ، لا يشركه في ذلك صنم وعلى غيره ، فقال : { الله يتوفى الأنفس حين موتها } ، والأنفس هي الأرواح .

وقيل : النفس غير الروح ، قاله ابن عباس .

فالروح لها تدبير عالم الحياة ، والنفس لها تدبيه عالم الإحساس .

وفرقت فرقة بين نفس التمييز ونفس التخييل .

والذي يدل عليه الحديث واللغة أن النفس والروح مترادفان ، وأن فراق ذلك من الجسد هو الموت .

ومعنى يتوفى النفس : يميتها ، والتي : أي والأنفس التي لم تمت في منامها ، أي يتوفاها حين تنام ، تشبيهاً للنوام بالأموات .

ومنه : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } فبين الميت والنائم قدر مشترك ، وهو كونهما لا يميزان ولا يتصرفان .

فيمسك من قضى عليها الموت الحقيقي ، ولا يردها في وقتها حية ؛ ويرسل النائمة لجسدها إلى أجل ضربه لموتها .

وقيل : { يتوفى الأنفس } : يستوفيها ويقبضها ، وهي الأنفس التي يكون معها الحياة والحركة .

ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها ، وهي أنفس التمييز ، قالوا : فالتي تتوفى في النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة ، لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس .

والنائم يتنفس ، وكون النفس تقبض ، والروح في الجسد حالة النوم ، بدليل أنه يتقلب ويتنفس ، هو قول الأكثرين .

ودل على التغاير وكونها شيئاً واحداً هو قول ابن جبير وأحد قولي ابن عباس ؛ والخوض في هذا ، وطلب إدراك ذلك على جليته عناء ولا يوصل إلى ذلك .

{ إن في ذلك } : أي في توفي الأنفس مائتة ونائمة ، وإمساكها وإرسالها إلى أجل ، { لآيات } : لعلامات دالة على قدرة الله وعلمه ، { لقوم } يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون .

وقرأ الجمهور : { قضى } مبنياً للفاعل ، { الموت } : نصباً ؛ وابن وثاب ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي : مبنياً للمفعول ؛ الموت : رفعاً .