ثم ذكر سبحانه نوعاً من أنواع قدرته البالغة ، وصنعته العجيبة ، فقال : { الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا } أي يقبضها عند حضور أجلها ، ويخرجها من الأبدان { والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت ، أي : لم يحضر أجلها في منامها .
وقد اختلف في هذا . فقيل : يقبضها عن التصرّف مع بقاء الروح في الجسد . وقال الفراء : المعنى ويقبض التي لم تمت عند انقضاء أجلها قال : وقد يكون توفيها نومها ، فيكون التقدير على هذا : والتي لم تمت ، وفاتها نومها . قال الزجاج : لكل إنسان نفسان : أحدهما : نفس التمييز ، وهي التي تفارقه إذا نام فلا يعقل ، والأخرى : نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس ، والنائم يتنفس . قال القشيري : في هذا بعد إذ المفهوم من الآية أن النفس المقبوضة في الحالين شيء واحد ، ولهذا قال : { فَيُمْسِكُ التي قضى عَلَيْهَا الموت وَيُرْسِلُ الأخرى } أي النائمة { إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } ، وهو الوقت المضروب لموته ، وقد قال بمثل قول الزجاج : ابن الأنباري .
وقال سعيد بن جبير : إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا ، وأرواح الأحياء إذا ناموا ، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف { فَيُمْسِكُ التي قضى عَلَيْهَا الموت وَيُرْسِلُ الأخرى } ، فيعيدها ، والأولى أن يقال : إن توفي الأنفس حال النوم بإزالة الإحساس ، وحصول الآفة به في محل الحسّ ، فيمسك التي قضى عليها الموت ، ولا يردّها إلى الجسد الذي كانت فيه ، ويرسل الأخرى بأن يعيد عليها إحساسها . قيل : ومعنى { يَتَوَفَّى الأنفس عِندَ مَوْتِهَا } هو على حذف مضاف ، أي : عند موت أجسادها .
وقد اختلف العقلاء في النفس والروح هل هما شيء واحد ، أو شيئان ؟ والكلام في ذلك يطول جدًّا ، وهو معروف في الكتب الموضوعة لهذا الشأن . قرأ الجمهور { قضى } مبنياً للفاعل ، أي : قضى الله عليها الموت ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، والأعمش ، ويحيى بن وثاب على البناء للمفعول ، واختار أبو عبيد ، وأبو حاتم القراءة الأولى لموافقتها لقوله : { الله يَتَوَفَّى الأنفس } ، والإشارة بقوله : { إِنَّ في ذَلِكَ } إلى ما تقدّم من التوفي ، والإمساك ، والإرسال للنفوس { لآيَاتٍ } أي لآيات عجيبة بديعة دالة على القدرة الباهرة ، ولكن ليس كون ذلك آيات يفهمه كل أحد بل { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في ذلك ، ويتدبرونه ، ويستدلون به على توحيد الله وكمال قدرته . فإن في هذا التوفي ، والإمساك ، والإرسال موعظة للمتعظين ، وتذكرة للمتذكرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.