في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (37)

24

وينطلق صوت التمجيد . يعلن الكبرياء المطلقة لله في هذا الوجود . حيث يتصاغر كل كبير . وينحني كل جبار . ويستسلم كل متمرد . للكبرياء المطلقة في هذا الوجود .

ومع الكبرياء والربوبية العزة القادرة والحكمة المدبرة . . ( وهو العزيز الحكيم ) . . والحمد لله رب العالمين .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (37)

30

المفردات :

الكبرياء : العظمة ، وهي من الله ممدوحة لأنه العظيم الذي لا يدرك الخيال لعظمته حدّا ، وليس المراد بها أنه متصف بصفة المتكبرين من احتقار الناس وامتهانهم .

التفسير :

{ وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } .

العظمة والجلال والسلطان والكمال لله وحده الذي خضع له الكون وذلت لعظمته الجباه ، وسبح بحمده كل كائن ، وله كمال الذات وكمال الوجود ، فلا تخضع الجباه إلا له ، ولا ينبغي التسبيح إلا له ، فله الحمد وله الملك وله الكبرياء في السماوات والأرض ، لا عن تجبر وترفع عن الفقراء ، بل هو أهل لأن يحمد ، وهو أهل لأن يطاع ويوقر ، ويعظم فلا يعصى ولا يجحد ، وهو العزيز الذي لا يقهر ، والحكيم في كل ما قضى وقدر ، وهو بحكمته يضع الشيء في موضعه ، وجميع أعماله صادرة عن حكمة إلهية عليا .

وقد ورد في الحديث الصحيح : ( العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني واحدا منهما أسكنته ناري )11 .

قال مجاهد :

{ وله الكبرياء في السماوات والأرض . . . }

يعني : السلطان ، أي هو العظيم المجد ، الذي كل شيء خاضع له ، فقير إليه .

{ وهو العزيز . . . } الذي لا يغالب ولا يمانع .

{ الحكيم } . في أقواله وأفعاله ، وشرعه وقدره ، تعالى وتقدس لا إله إلا هو .

ونلاحظ أن قراءة حفص : { رب السماوات } . بخفض رب ، على أنه صفة للفظ الجلالة أو بدل منه .

وجاء في تفسير القرطبي ما يأتي :

قرأ مجاهد وحميد وابن محيصن : { رب السماوات ورب الأرض رب العالمين } . بالرفع فيها كلها على معنى : هو رب .

{ وله الكبرياء } . أي : العظمة والجلال والبقاء والسلطان والقدرة والكمال .

ختام السورة:

خلاصة ما تضمنته سورة الجاثية

1- إقامة الأدلة على وجود الخالق سبحانه .

2- وعيد من كذب بآياته واستكبر عن سماعها .

3- طلب العفو من المؤمنين عن زلات الكافرين .

4- الامتنان على بني إسرائيل بما آتاهم الله من النعم الروحية والمادية .

5- أمر الله رسوله ألا يطيع المشركين ولا يتبع أهواءهم .

6- لا يستوي مرتكب السيئات العاصي للرحمان ، وفاعل الحسنات المطيع لله ، فقد اختلفا سلوكا في الدنيا ، وكذلك الجزاء يوم القيامة من جنس العمل .

7- التعجب من حال المشركين الذين أضلهم الله على علم .

8- إنكار المشركين للبعث .

9- إذا زفرت جهنم جثت كل أمة على ركبها ، مستوفزة خاشعة خائفة من هول الموقف .

10- الأتقياء في الجنة ، والأشقياء في النار .

11- أهوال القيامة ، ومشاهد الكافرين يقرعون باللوم على استهزائهم بالقرآن ، وتكذيبهم بآيات الله .

12- ثناء المولى على نفسه ، وإثبات الكبرياء والعظمة له سبحانه وتعالى .

ثم بحمد الله تفسير سورة الجاثية ، ظهر السبت 21 من ربيع الأول 1421 ه ، الموافق 24 من يونيو 2000 ، بمدينة المقطم بالقاهرة ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

تخريج أحاديث وهوامش تفسير القرآن الكريم ( الجزء الخامس والعشرون )

خرّج أحاديثه الأستاذ كمال سعيد فهمي

1 عله يقصد الإشارة إلى آيات الله الكونية في نفع العباد في الدنيا ، ثم في عقوبة الكفار في الآخرة .

2 بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز 1/426 .

3 يا مقلب القلوب ثبت قلبي :

رواه أحمد في مسنده ( 24083 ) من حديث عائشة قالت : دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يدعو بها : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، قالت : فقلت : يا رسول الله إنك تكثر تدعو بهذا الدعاء ، فقال : ( إن قلب الآدمي بين أصبعين من أصابع الله عز وجل فإذا شاء أزاغه وإذا شاء أقامه ) . ورواه الترمذي في الدعوات ( 3522 ) وأحمد في مسنده ( 25980 ) من حديث شهر بن حوشب قال : قلت لأم سلمة : يا أم المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك قالت : كان أكثر دعائه : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قالت : فقلت : يا رسول الله ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ؟ قال : ( يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ) ، فتلا معاذ { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } . قال أبو عيسى : وهذا حديث حسن . ورواه الترمذي في القدر ( 2140 ) وقال : حسن ، وابن ماجة في الدعاء ( 3834 ) وأحمد في مسنده ( 11697 ) من حديث أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) ، فقلت : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟ قال : ( نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء ) . قال الترمذي : وحديث أبي سفيان عن أنس أصح . ورواه أحمد ( 17178 ) والحاكم في المستدرك ( 2/288 ) من حديث النواس بن سمعان الكلابي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه ) . وكان يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، والميزان بيد الرحمان عز وجل يخفضه ويرفعه ) . ورواه الترمذي في الدعوات ( 3587 ) من حديث عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه عن جده قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، وقد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه وبسط السبابة ، وهو يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب من هذا الوجه . ورواه مسلم في القدر ( 2654 ) وأحمد في مسنده ( 6533 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمان كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ) ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ) .

4 في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب ، جزء 25 ص 132 ، طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه .

5 تفسير القرطبي ، مجلد 7 ص 6176 ، طبعة دار الغد العربي –العباسية- القاهرة . وقارن بتفسير مقاتل بن سليمان ، تحقيق د . عبد الله شحاتة 3/840 .

6 الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت :

رواه الترمذي في صفة القيامة ( 2459 ) وابن ماجة في الزهد ( 4260 ) وأحمد في مسنده ( 16674 ) من حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ) . قال : هذا حديث حسن : ومعنى قوله : ( من دان نفسه ) يقول : حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة ، ويروى عن عمر بن الخطاب قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر ، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا ، ويروى عن ميمون بن مهران قال : لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطمعه وملبسه .

7 زبدة التفسير من فتح القدير ، محمد سليمان عبد الله الأشقر ، ص 644 طبعة أولى ، على نفقة وزارة الأوقاف -الكويت .

8 صفوة التفاسير ، محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ص 188 .

9 أنت رحمتي أرحم بك من أشاء :

رواه البخاري في التفسير ( 4850 ) ومسلم في الجنة ( 2846 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ، قال الله تبارك وتعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذاب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منهما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول : قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا ، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشىء لها خلقا ) .

10 أي فل ، ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل :

رواه مسلم في الزهد ( 2968 ) من حديث أبي هريرة قال : قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة ) ؟ قالوا : لا ، قال : ( فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة ) ، قالوا : لا ، قال : ( فو الذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما ) ، قال : ( فيلقى العبد فيقول : أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ، فيقول : بلى ، قال : فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا ، فيقول : فإني أنساك كما نسيتني ، ثم يلقى الثاني فيقول : أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ، فيقول : بلى أي رب ، فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا ، فيقول : فإني أنساك كما نسيتني ، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول : يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول هاهنا إذا قال ثم يقال له : الآن نبعث شاهدنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه : انطقي ، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله ، وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه ) .

11 وفي رواية : ( فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي ) ، والحديث في صحيح مسلم .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (37)

{ وله الكبرياء } العظمة والملك ، أو كمال الذات وكمال الوجود . والله أعلم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (37)

قوله تعالى : { فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين* وله الكبرياء } العظمة ، { في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ، أنبأنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الشرقي ، حدثنا أحمد بن حفص وعبد الله بن محمد الفراء وقطن بن إبراهيم قالوا ، أنبأنا حفص بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن طهمان ، عن عطاء بن السائب ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار " .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (37)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وله الكبرياء} يعني العظمة والسلطان والقوة والقدرة في السماوات والأرض.

{وهو العزيز} في ملكه، {الحكيم} في أمره الذي حكم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وله الكبرياء في السموات والأرض" يقول: وله العظمة والسلطان في السموات والأرض دون ما سواه من الالهة والأنداد.

"وَهُوَ العَزِيزُ" في نقمته من أعدائه، القاهر كل ما دونه، ولا يقهره شيء.

"الحَكِيمُ" في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء كيف شاء، والله أعلم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذا يخرّج على وجهين:

أحدهما: أي وله الوصف بالكبرياء والعظمة، وعلى أهل السماوات وأهل الأرض أن يصفوه بالكبرياء والعظمة.

والثاني: من حقه على أهل السماوات وأهل الأرض أن يصِفوه بالكبرياء والعظمة والجلال، والله أعلم.

{وهو العزيز الحكيم} أي هو العزيز الذي لا يلحقه الذّل بخلاف الخلق ولا بعصيانهم، أو هو العزيز بما به يتعزّز من اعتزّ دونه ومن وُصف بعزٍّ دونه، فذلك راجع في الحقيقة إليه..

{الحكيم} الذي وضع كل شيء موضعه، أو {الحكيم} الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير. والله الموفّق.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وكبروه فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته {فِي السماوات والأرض} وحق مثله أن يكبر ويعظم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{الكبرياء} بناء مبالغة، وفي الحديث: (يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني منهما شيئاً قصمته).

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وله الكبرياء في السموات والأرض} وهذا مشعر بأمرين:

أحدهما: أن التكبير لا بد وأن يكون بعد التحميد، والإشارة إلى أن الحامدين إذا حمدوه وجب أن يعرفوا أنه أعلى وأكبر من أن يكون الحمد الذي ذكروه لائقا بإنعامه، بل هو أكبر من حمد الحامدين، وأياديه أعلى وأجل من شكر الشاكرين.

والثاني: أن هذا الكبرياء له لا لغيره، لأن واجب الوجود لذاته ليس إلا هو...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أفاد ذلك غناه الغنى المطلق وسيادته وأنه لا كفوء له، عطف عليه بعض اللوازم لذلك تنبيهاً على مزيد الاعتناء به؛ لدفع ما يتوهمونه من ادعاء الشركة التي لا- يرضونها لأنفسهم فقال: {وله} أي وحده {الكبرياء} أي الكبر الأعظم الذي لا نهاية له: {في السماوات} كلها {والأرض} جميعها اللتين فيهما آيات للمؤمنين.

(وهو} وحده {العزيز} الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء {الحكيم} الذي يضع الأشياء في أتقن مواضعها ولا يضع شيئاً إلا كذلك كما أحكم أمره ونهيه وجميع شرعه، وأحكم نظم هذا القرآن جملاً وآيات، وفواصل وغايات، بعد أن حرر معانيه وتنزيله جواباً لما كانوا يعتنون به، فصار معجزاً في نظمه ومعناه وإنزاله طبق أجوبة الوقائع على ما اقتضاه الحال، فانطبق آخرها على أولها بالصفتين المذكورتين، وبالحث على الاعتبار بآيات الخافقين، والتصريح بما لزم ذلك من الكبرياء المقتضية لإذلال الأعداء وإعزاز الأولياء -والله الهادي إلى الصواب وإليه المرجع والمآب- والله أعلم بمراده.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

فالحمد فيه الثناء على الله بصفات الكمال ومحبته تعالى وإكرامه، والكبرياء فيها عظمته وجلاله، والعبادة مبنية على ركنين، محبة الله والذل له، وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ينطلق صوت التمجيد. يعلن الكبرياء المطلقة لله في هذا الوجود. حيث يتصاغر كل كبير. وينحني كل جبار. ويستسلم كل متمرد. للكبرياء المطلقة في هذا الوجود. ومع الكبرياء والربوبية العزة القادرة والحكمة المدبرة.. (وهو العزيز الحكيم).. والحمد لله رب العالمين...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عقب ذلك بجملة {وله الكبرياء في السموات والأرض} للإشارة إلى أن استدعاءه خلقَه لحمده إنما هو لنفعهم وتزكية نفوسهم، فإنه غني عنهم كما قال: {وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمونِ} [الذاريات: 56، 57]...

والكبرياء: الكبر الحق الذي هو كمال الصفات وكمال الوجود، ثم أتبع ذلك بصفتي {العزيز الحكيم} لأن العزة تشمل معاني القدرة والاختيارِ، والحكمةَ تجمع معاني تمام العلم وعمومه...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وهذه حيثية أخرى لوجوب الحمد لله، أنْ يتصف سبحانه بصفة الكبرياء، والكبرياء هو العظمة والجلال والقهر، وأيضا الأسلوب هنا أسلوب قَصْر {وَلَهُ الْكِبْرِيَآءُ..} يعني: له وحده، وهذه من أعظم نِعَم الله علينا حتى لا نكون عبيداً لغيره.

فالله ما جعلك عبداً له إلا ليكفيك العبودية لغيره، ولولا هذا الكبرياء لله تعالى لكنّا عبيداً لكل ذي قوة ولكل مَنْ نحتاج إليه، حتى الحداد والنجار الذي يقضي لك مصلحة يمكن أنْ يستعبدك.

إذن: معنى {وَلَهُ الْكِبْرِيَآءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..} كأنه يقول لك: اطئمن يا عبدي فلن تكون عبداً لغيري، فالعظمة والجلال والكبرياء لي وحدي وأنا لكم جميعاً، والخلق كلهم عيالي، وأحبُّهم إليَّ أرأفهم بعيالي...

والحديث القدسي يؤكد هذه الصفة لله تعالى وحده، فقال سبحانه في الحديث القدسي:"الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمَنْ نازعني واحداً منهما قذفتُه في النار".

لماذا؟ لأنه لم يخلق هذا الخَلْق ولا يُؤتمن عليه، لذلك الإنسان لا يتكبَّر على الخَلْق إلا إذا حُجبت نفسه عن استحضار كبرياء الحق سبحانه: إنما الذي يستحضر في نفسه دائماً كبرياء الله يستحي أنْ يتكبَّر، وأنْ ينازع ربَّه في هذه الصفة...

وقوله: {وَهُوَ الْعِزِيزُ الْحَكِيمُ} العزيز هو الغالب الذي لا يُغلب، والحكيم هو الذي يضع الشيء في موضعه، فصفة الكبرياء لله تعالى لا تعني القهر والجبروت والفتونة بلا ضابط، بل هو أيضاً سبحانه حكيم يُصرِّف الأمور وفق حكمة مطلقة.

والمتأمل في سورة الجاثية يجد أنها بدأتْ بقول الله تعالى: {حـمۤ * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجاثية: 1-2] وختمتْ أيضاً بقوله تعالى: {وَهُوَ الْعِزِيزُ الْحَكِيمُ}.

وكأن السورة وُضعتْ بين قوسين من العزة والحكمة لله تعالى والكبرياء والحمد لله سبحانه، ومن العجيب أن الأحقاف بعدها بدأتْ أيضاً بقول الله تعالى: {حـمۤ * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجاثية: 1-2].

فكأن الله تعالى يؤكد على هذه الصفات ويُرسِّخها في نفوس المؤمنين ليزيدهم اطمئناناً به سبحانه وبمنهجه.

وكأنه سبحانه يقول لهم: اطمئنوا، فالذي أنعم عليكم قديماً بأنْ أوجدكم من عدم وأحيا مادتكم بروح منه، ثم أمدَّكم بمقوِّمات الحياة واستبقائها وهداكم إليه بآياته التي تُحيي قلوبكم وتعطيكم الحياة الباقية يوم القيامة.

فهو سبحانه كما ضمن لكم الماضي يضمن لكم المستقبل، فنِعَمه لا تُسلب، وعطاؤه لا ينفد، لأن له الكبرياء في السماوات والأرض، فلا تُوجد قوة غيره سبحانه تنقض هذا الخير أو تمنعه عنكم.

والحق سبحانه وتعالى حينما يجمع بين صفتي العزة والحكمة إنما ليقول لنا: انتبهوا إذا أصابتكم أحداثٌ تناقض هذه العزة في مشوار الدعوة، فاعلموا أنها ما حدثتْ إلا لحكمة.

فقد يقول قائل مثلاً: إذا كان الله عزيزاً لا يغلب، فلماذا ترك رسوله لأهل الطائف يؤذونه ويسبُّونه ويقذفونه بالحجارة حتى أدموْا قدميه الشريفتين.

نقول: ابحثوا عن الحكمة، فمن الحكمة المرادة لله تعالى حين يعلو الشر أنْ يُمحص أهل الخير، وأنْ يُصفي قاعدة الإسلام بحيث لا يثبت عليه إلا الأشداء في العقيدة الثابتون على الحق، فلا يحيدون عنه، فعلى أكتاف هؤلاء سيُحمل الدين وتنتشر الدعوة، فلا بدَّ من التمحيص وتمييز المؤمنين من المنافقين...

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (37)

ولما أفاد ذلك غناه{[58425]} الغنى المطلق وسيادته وأنه لا كفوء له ، عطف عليه بعض اللوازم لذلك تنبيهاً على مزيد الاعتناء به لدفع ما يتوهمونه من ادعاء الشركة التي لا-{[58426]} يرضونها لأنفسهم فقال : { وله } أي وحده{[58427]} { الكبرياء } أي الكبر الأعظم الذي لا نهاية له{[58428]} : { في السماوات } كلها { والأرض } جميعها{[58429]} اللتين فيهما آيات للمؤمنين{[58430]} ، روى مسلم وأبو داود{[58431]} وابن ماجة{[58432]} عن أبي هريرة ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار " ، وفي رواية : عذبته ، وفي رواية : قصمته .

( وهو } وحده { العزيز } الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء { الحكيم * } الذي يضع الأشياء في أتقن مواضعها ولا يضع شيئاً إلا كذلك{[58433]} كما أحكم أمره ونهيه وجميع شرعه ، وأحكم نظم هذا القرآن جملاً وآيات ، وفواصل وغايات ، بعد أن حرر معانيه وتنزيله جواباً لما كانوا يعتنون به ، فصار معجزاً في نظمه ومعناه وإنزاله طبق أجوبة{[58434]} الوقائع على ما اقتضاه الحال ، فانطبق آخرها{[58435]} على أولها بالصفتين المذكورتين ، وبالحث على الاعتبار بآيات الخافقين ، والتصريح بما لزم ذلك من الكبرياء المقتضية لإذلال الأعداء وإعزاز الأولياء - والله الهادي {[58436]}إلى الصواب وإليه المرجع والمآب - والله أعلم بمراده{[58437]} .

ختام السورة:

فانطبق آخرها على أولها بالصفتين المذكورتين ، وبالحث على الاعتبار بآيات الخافقين ، والتصريح بما لزم ذلك من الكبرياء المقتضية لإذلال الأعداء وإعزاز الأولياء - والله الهادي إلى الصواب وإليه المرجع والمآب - والله أعلم بمراده .


[58425]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: غنى.
[58426]:زيد من م ومد.
[58427]:زيد في الأصل: لا مناف له، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58428]:زيد في الأصل: لمكانه، ولم تكن في م ومد فحذفناها.
[58429]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: جميعا.
[58430]:زيدت الواو في الأصل و ظ، ولم تكن في م ومد فحذفناها.
[58431]:راجع السنن أبواب اللباس.
[58432]:راجع السنن أبواب الزهد.
[58433]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: لذلك.
[58434]:زيد في الأصل: الواقع من ، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58435]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: آخر السورة.
[58436]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58437]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.