في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

ثم تتم سماتهم بقوله : ( خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة )فنلمح من خلال الكلمات سيماهم كاملة ، وترتسم لنا من قسماتهم صورة واضحة . صورة ذليلة عانية . . لقد كانوا يخوضون ويلعبون فهم اليوم أذلاء مرهقون . .

( ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) .

فكانوا يستريبون فيه ويكذبون ويستعجلون !

بهذا يلتئم المطلع والختام ، وتتم هذه الحلقة من حلقات العلاج الطويل لقضية البعث والجزاء ، وتنتهي هذه الجولة من جولات المعركة الطويلة بين التصور الجاهلي والتصور الإسلامي للحياة .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

36

المفردات :

الأجداث : القبور ، واحدها جدث .

السّراع : واحدهم سريع ، أي مسرعين .

النصب : كل شيء منصوب كالعلم والراية ، وكذا ما ينصب للعبادة ، والأنصاب جمع جمع .

يوفضون : يسرعون .

خاشعة : ذليلة .

ترهقهم : تغشاهم .

التفسير :

43 ، 44- يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون* خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون .

اذكر يوم يقومون من قبورهم مسرعين لتلبية النداء ، والوقوف في عرصات القيامة لفصل القضاء ، كأنهم في إسراعهم إلى ساحة القيامة ، كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى شيء منصوب : علم أو راية أو صنم من الأصنام .

قال المفسرون :

كان الإسراع إلى المعبودات الباطلة وسائر الطواغيت من عادات المشركين ، وكانوا إذا أبصروا أصنامهم أسرعوا إليها ، يحاول كل منهم أن يستلم الصنم أوّلا ، وفي هذا التشبيه تذكير بسخافة عقولهم ، وتهكّم بإسراعهم إلى الباطل ، وفرارهم من الحق .

خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون .

إنهم يحشرون يوم القيامة أذلاء ، منكسرة عيونهم ، تغشاهم المذلة والمهانة والعذاب والهوان في ذلك اليوم ، يوم القيامة ، الذي توعّدهم القرآن به وحذّرهم من عذابه ، لقد كانوا في أعيادهم يسرعون إلى أصنامهم ، فرحين لاهين عابثين في باطلهم ، لكن الصورة اختلفت عند قيامهم من قبورهم ، فإنهم يحشرون أذلاء مرهقين ، قد بدا الانكسار في عيونهم ، وإرهاق المذلة على أبدانهم ، بسبب استهتارهم بذلك اليوم ، واستبعادهم لوقوعه .

وبذلك تتوافق بداية السورة ونهايتها ، فقد كانت البداية سؤال من الكافرين عن يوم القيامة ، سؤال استبعاد واستنكار ، وكانت نهاية السورة رؤية اليوم عيانا ، والإسراع لتلبية الداعي إلى المحشر في حالة من العذاب والهوان والانكسار ، وقد شاهدوا القيامة مشاهدة فعلية واقعية .

قال تعالى : يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذّركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد . ( آل عمران : 30 ) .

ختام السورة:

خلاصة ما اشتملت عليه سورة المعارج

1- وصف يوم القيامة وأهواله .

2- وصف النار وعذابها .

3- صفات الإنسان التي أوجبت له الجحيم ، وصفات المصلّين الفائزين .

4- وعيد الكافرين ، وظهور المذلة والانكسار عليهم يوم القيامة .

i في ظلال القرآن 29/96 ، بتصرف .

ii في رواية عن ابن عباس أن الذي سأل هو النضر بن الحارث ، وفي رواية أخرى عنه قال : ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم .

iii بصائر ذوي التمييز للفيروزبادي 1/480 ، بتصريف .

iv يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار :

رواه البخاري في مواقيت الصلاة ( 555 ) ، وفي التوحيد ( 7429 ، 7486 ) ، ومسلم في المساجد ( 632 ) ، والنسائي في الصلاة ( 485 ) ، وأحمد ( 27336 ) ، 9936 ) ، ومالك في النداء للصلاة ( 413 ) ، من حديث أبي هريرة بلفظ : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكته بالنهار ) ، ورواه البخاري في الأذان ( 649 ) ، وفي تفسير القرآن ( 4717 ) ، ومسلم في المساجد ( 649 ) ، والترمذي في التفسير ( 3135 ) ، والنسائي في الصلاة ( 486 ) ، وابن ماجة في الصلاة ( 670 ) ، وأحمد ( 7145 ، 7557 ، 9783 ) من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ : ( فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح ) . يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } .

v أخرجه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري .

vi لا توعى فيوعى الله عليك :

رواه أحمد في مسنده ( 24558 ، 24739 ) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا توعى فيوعى الله عليم ) . ورواه البخاري في الزكاة ( 1434 ) وفي الهبة ( 2590 ، 2591 ) ومسلم في الزكاة ( 1029 ) وأحمد في مسنده ( 26382 ) ، 26394 ) حدثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أنفقي ولا تحصي فيحصى الله عليك ، ولا توعي فيوعى الله عليك ) .

vii شر ما في رجل شح هالع وجبن غالع :

رواه أحمد في مسنده ( 7950 ) وأبو داود في الجهاد ( 2511 ) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع ) .

viii عجبا لأمر المؤمن :

أخرجه مسلم ( 2999 ) واللفظ له ، وأحمد ( 18455 ، 18460 ، 23406 ، 23412 ) ، والدارمي ( 2777 ) ، من حديث صهيب ابن سنان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) .

ix أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل :

رواه البخاري في الرقاق ( 6464 ) من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سدّدوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ) .

x اضمنوا لي ستا من أنفسكم :

رواه أحمد ( 22251 ) ، من حديث عبادة بن الصامت .

xi صفوة التفاسير ، محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ص 446 .

xii ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه :

رواه أحمد في مسنده ( 17387 ) وابن ماجة في الوصايا ( 2707 ) من حديث بسر بن جحاش القرشي أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق يوما في كفه فوضع عليها أصبعه ثم قال : ( قال الله : ابن آدم ، أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت حتى إذا لغت التراقي قلت أتصدق ، وأنى أوان الصدقة ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

{ خاشعة أبصارهم } ذليلة خاضعة ؛ لا يرفعونها لما هم فيه من الخزي والهوان . { ترهقهم ذلة } يغشاهم الهوان الشديد . يقال : رهقه الأمر يرهقه رهقا ، غشيه بقهر ؛ كأرهقه .

والله أعلم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

خاشعة أبصارهم : أبصارهم ذليلة . ترهَقُهم : تغشاهم .

فإنهم يأتون وأبصارُهم خاشعة أذلاَّء تعلو وجوهَهكم الكآبة والحزن .

{ ذَلِكَ اليوم الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

ذلك اليوم هو يوم القيامة وما فيه من أهوال عظام هو موعدُهم ، وفيه ينالون جزاءَهم ، وبئس المصير .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

{ خاشعةً } ذليلة خاضعة ، { أبصارهم ترهقهم ذلة } يغشاهم هوان ، { ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون } يعني يوم القيامة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (44)

ولما كان إيفاضهم إلى الأنصاب على{[68546]} حال السرور ، أخبر أن هذا على خلاف ذلك ، وأن ذكر النصب وتصوير حالة الإتيان إليه ما كان إلا تهكماً بهم فقال : { خاشعة } أي منكسرة متواضعة لما حل بها من الذل {[68547]}والصغار{[68548]} ، وألحقها علامة التأنيث زيادة في هذا المعنى ومبالغة فيه بقوله : { أبصارهم } .

ولما كان خشوعها دائماً فعبر{[68549]} بالاسم ، وكان ذلهم يتزايد في كل لحظة ، عبر بالفعل المضارع المفيد للتجدد والاستمرار فقال : { ترهقهم } أي تغشاهم فتعمهم ، وتحمل عليم فتكلفهم كل{[68550]} عسر وضيق{[68551]} على وجه الإسراع إليهم { ذلة } ضد ما كانوا عليه في الدنيا لأن من تعزز في الدنيا على الحق ذل{[68552]} في الآخرة ، ومن ذل للحق في الدنيا عز في الآخرة .

ولما صوره بهذه الصورة{[68553]} أشار إلى أن هذا ما تدركه العقول من وصفه وأنه{[68554]} أعظم من ذلك فقال : { ذلك } أي الأمر الذي هو في غاية ما يكون من علو الرتبة في العظمة { اليوم الذي كانوا } أي في حال الدنيا على غاية ما يكون من المكنة في الوعيد .

ولما كان الوعيد لا يتحقق إلا إذا كان من القادر ، وإذا كان كذلك{[68555]} كان مخيفاً موجعاً{[68556]} من غير ذكر من صدر عنه ، بني للمفعول قوله : { يوعدون * } أي يجدد لهم الإيعاد به في الدنيا في كل وقت لعلهم يتعظون فترق قلوبهم فيرجعون {[68557]}عماهم{[68558]} فيه من الجبروت ، وهذا هو زمان العذاب {[68559]}الذي سألوا عنه{[68560]} أول السورة ، فقد رجع كما ترى آخرها على أولها{[68561]} أي رجوع ، وانضم مفصلها إلى موصلها انضمام المفرد إلى المجموع - والله الهادي إلى الصواب .


[68546]:- من ظ وم، وفي الأصل: إلى.
[68547]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68548]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68549]:- من ظ وم، وفي الأصل: عبر.
[68550]:- من ظ وم، وفي الأصل: العسر والضيق.
[68551]:- زيد في الأصل: للحق، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68552]:- زيد في الأصل: للحق، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68553]:- من ظ وم، وفي الأصل: الصور.
[68554]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن هذا.
[68555]:- في ظ وم: لذلك.
[68556]:- تكرر في الأصل فقط.
[68557]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيماهم.
[68558]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيماهم.
[68559]:- من ظ وم، وفي الأصل: هو.
[68560]:- من ظ وم، وفي الأصل: هو.
[68561]:- زيد في الأصل: ورجع، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.