ومن ثم كان الجواب على التهكم بيوم القيامة واستبعاد موعدها ، سريعا خاطفا حاسما ، ليس فيه تريث ولا إبطاء حتى في إيقاع النظم ، وجرس الألفاظ . وكان مشهدا من مشاهد القيامة تشترك فيه الحواس والمشاعر الإنسانية ، والمشاهد الكونية :
( فإذا برق البصر . وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر . يقول الإنسان يومئذ أين المفر ? ) .
فالبصر يخطف ويتقلب سريعا سريعا تقلب البرق وخطفه . والقمر يخسف ويطمس نوره . والشمس تقترن بالقمر بعد افتراق . ويختل نظامهما الفلكي المعهود ، حيث ينفرط ذلك النظام الكوني الدقيق . .
برق البصر : دهش وتحيّر مما رأى فزعا مما رأى من أهوال يوم القيامة .
وجمع الشمس والقمر : في الطلوع من المغرب مظلمين .
أين المفر : المهرب من العذاب أو الهول .
7 ، 8 ، 9 ، 10- فإذا برق البصر* وخسف القمر* وجمع الشمس والقمر* يقول الإنسان يومئذ أين المفر .
إذا فوجئ الإنسان بأهوال القيامة ، وقف وانبهر ، وتخشع وتحارّ من شدة الأهوال ، ومن عظم ما نشاهده يوم القيامة من أمور ، ومنه قول ذي الرمّة :
ولو أن لقمان الحكيم تعرضت *** لعينيه من سافرا كاد يبرق
حيث تطلع الشمس من مغربها ، وكذلك القمر ، ولا ضوء للشمس ولا للقمر في ذلك الحين .
يقول الإنسان يومئذ أين المفر .
عندما يشاهد الإنسان هذه العلامات الكبرى ، التي تزلزل الوجدان والفؤاد ، يبحث عن مهرب خوفا من الله تعالى ، أو خوفا من جهنم .
قال الله تعالى { فإذا برق البصر } قرأ أهل المدينة { برق } بفتح الراء ، وقرأ الآخرون بكسرها ، وهما لغتان . قال قتادة ومقاتل : شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا . قيل : ذلك عند الموت . وقال الكلبي : عند رؤية جهنم تبرق أبصار الكفار . وقال الفراء والخليل { برق }-بالكسر- أي : فزع وتحير لما يرى من العجائب . { وبرق } بالفتح ، أي : شق عينه وفتحها ، من البريق ، وهو التلألؤ .
قوله تعالى : " فإذا برق البصر " قرأ نافع وأبان عن عاصم " برق " بفتح الراء ، معناه : لمع بصره من شدة شخوصه ، فتراه لا يطرف . قال مجاهد وغيره : هذا عند الموت . وقال الحسن : هذا يوم القيامة . وقال فيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان كأنه يوم القيامة " إذا برق البصر . وخسف القمر " والباقون بالكسر " برق " ومعناه : تحير فلم يطرف . قاله أبو عمرو والزجاج وغيرهما . قال ذو الرمة :
ولو أن لقمانَ الحكيمَ تَعَرَّضَتْ *** لعينيهِ مَيٌّ سافراً كادَ يَبْرَقُ
الفراء والخليل : " برق " بالكسر : فزع وبهت وتحير{[15605]} . والعرب تقول للإنسان المتحير المبهوت : قد برق فهو برق ، وأنشد الفراء :
فنفسَكَ فَانْعَ ولا تَنْعَنِي *** ودَاوِ الكُلُومَ ولا تَبْرِقِ{[15606]}
أي لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك . وقيل : برق يبرق بالفتح : شق عينيه وفتحهما . قاله أبو عبيدة ، وأنشد قول الكلابي :
لما أتاني ابنُ عُمَيرٍ راغبا *** أعطيته عيشا صِهَابًا فبَرَق{[15607]}
ولما كان الجواب : يوم-{[70133]} يكون كذا وكذا ، عدل عنه إلى ما سبب عن استبعاده لأنه أهول ، فقال دالاً على خراب العالم لتجرد الإنسان عن مسكنه وما ألفه من أحواله{[70134]} فيكون أهول معبراً بأداة التحقق لأنها موضعها : { فإذا برق البصر } أي شخص ووقف{[70135]} فلا يطرف من هول ما يرى - هذا على قراءة نافع بالفتح ، وهي إشارة إلى مبدأ حاله ، وقراءة الجماعة بالكسر مشيرة إلى مآله فإن معناها : تحير ودهش وغلب ، من برق الرجل - إذا نظر إلى البرق فحسر بصره وتفرق تفرق الشيء في المايع إذا انفتح{[70136]} عنه وعاؤه بدليل قراءة بلق من بلق الباب - إذا انفتح ، وبلق الباب كنصر : فتحه كله ، أو شديداً كأبلقه فانبلق ، وبلق كفرح : تحير - قاله في القاموس{[70137]} .