في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

وبعد إطلاق تلك الحقيقة الكبرى جعل يذكر كيف انبثقت منها حقائق الوجود الأخرى :

( هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها . وهو معكم أينما كنتم . والله بما تعملون بصير . له ملك السماوات والأرض ، وإلى الله ترجع الأمور . يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، وهو عليم بذات الصدور . . )

حقيقة خلق السماوات والأرض . وحقيقة الاستواء على العرش والهيمنة على الخلق . وحقيقة العلم بأشياء بعينها من هذا الخلق . وحقيقة الوجود مع كل أحد أينما وجد . وحقيقة رجعة الأمور إليه وحده . وحقيقة تصرفه اللطيف في كيان الوجود ، وعلمه الخفي بذات الصدور . .

وكلها حقائق منبثقة عن تلك الحقيقة الأولى . . ولكن عرضها في هذا المجال الكوني يجعل لها في القلب البشري إيقاعات وظلالا . . والسماوات والأرض تواجه هذا القلب وتروعه بضخامتها وجلالها ، وتناسقها وجمالها ، كما تواجهه وتروعه بدقة نظامها وانضباط حركاتها ، واطراد ظواهرها . ثم إنها خلائق من خلق الله كالقلب البشري . فله بها صلة الأسرة وأنس القرابة . وهي توقع على أوتاره إيقاعات لدنية حين يتوجه إليها ، ويسمع لها ، ويعاطفها ! وهي تقول له : إن الذي خلقها هو خلقه . وهي تسبح لخالقها فليسبح لخالقه ! كما تقول له : إنها تستمد حقيقة وجودها من وجود خالقها وأنه هو كذلك . فليس هنالك إذن إلا هذه الحقيقة تستحق الاحتفال بها !

والأيام الستة لا يعلم حقيقتها إلا الله . فأيامنا هذه ليست سوى ظلال ناشئة عن حركة الأرض حول نفسها أمام الشمس . وجدت بعد خلق الأرض والشمس فليست هي الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض . فنترك علمها لله يطلعنا عليه إن أراد .

وكذلك العرش . فنحن نؤمن به كما ذكره ولا نعلم حقيقته . أما الاستواء على العرش فنملك أن نقول : إنه كناية عن الهيمنة على هذا الخلق . استنادا إلى ما نعلمه من القرآن عن يقين من أن الله - سبحانه - لا تتغير عليه الأحوال . فلا يكون في حالة عدم استواء على العرش ، ثم تتبعها حالة استواء . والقول بأننا نؤمن بالاستواء ولا ندرك كيفيته لا يفسر قوله تعالى : ( ثم استوى ) . . والأولى أن نقول : إنه كناية عن الهيمنة كما ذكرنا . والتأويل هنا لا يخرج على المنهج الذي أشرنا إليه آنفا لأنه لا ينبع من مقررات وتصورات من عند أنفسنا . إنما يستند إلى مقررات القرآن ذاته ، وإلى التصور الذي يوحيه عن ذات الله سبحانه وصفاته .

ومع الخلق والهيمنة العلم الشامل اللطيف ، يصور النص القرآني مجاله تصويرا عجيبا يشغل القلب بتتبعه في هذا المجال الوسيع ، وبتصوره في حركة دائمة لا تفتر . وهذا أمر غير مجرد ذكر العلم وحقيقته المجردة . أمر مؤثر موح يملأ جوانب النفس ، ويشغل خوالج القلب ، وتترامى به سبحات التصور ووثبات الخيال :

( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ) . .

وفي كل لحظة يلج في الأرض ما لا عداد له ولا حصر من شتى أنواع الأحياء والأشياء ؛ ويخرج منها ما لا عداد ولا حصر من خلائق لا يعلمها إلا الله . وفي كل لحظة ينزل من السماء من الأمطار والأشعة والنيازك والشهب ، والملائكة والأقدار والأسرار ؛ ويعرج فيها كذلك من المنظور والمستور ما لا يحصيه إلا الله . . والنص القصير يشير إلى هذه الحركة الدائبة التي لا تنقطع ، وإلى هذه الأحداث الضخام التي لا تحصى ؛ ويدع القلب البشري في تلفت دائم إلى ما يلج في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، وفي تصور يقظ لعلم الله الشامل وهو يتبع هذه الحركات والأحداث ، في مساربها ومعارجها .

والقلب في تلفته ذاك وفي يقظته هذه يعيش مع الله ، ويسيح في ملكوته بينما هو ثاو في مكانه ؛ ويسلك فجاج الكون ويجوب أقطار الوجود في حساسية وفي شفافية ، وفي رعشة من الروعة والانفعال .

وبينما القلب في تلفته ذاك في الأرض والسماء ، إذا القرآن يرده إلى ذاته ، ويلمسه في صميمه . وإذا هو يجد الله معه ، ناظرا إليه ، مطلعا عليه ، بصيرا بعمله ، قريبا جد قريب :

( وهو معكم أينما كنتم ، والله بما تعملون بصير . . )

وهي كلمة على الحقيقة لا على الكناية والمجاز . فالله - سبحانه - مع كل أحد ، ومع كل شيء ، في كل وقت ، وفي كل مكان . مطلع على ما يعمل بصير بالعباد . وهي حقيقة هائلة حين يتمثلها القلب . حقيقة مذهلة من جانب ، ومؤنسة من جانب . مذهلة بروعة الجلال . ومؤنسة بظلال القربى . وهي كفيلة وحدها حين يحسها القلب البشري على حقيقتها أن ترفعه وتطهره ، وتدعه مشغولا بها عن كل أعراض الأرض ؛ كما تدعه في حذر دائم وخشية دائمة ، مع الحياة والتحرج من كل دنس ومن كل إسفاف .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

1

المفردات :

ستة أيام : ستة أطوار ، أو ست مراحل ، وربما ستة بلايين سنة .

استوى : جلس ، والاستواء هنا بمعنى استولى .

العرش : أصله : سرير المُلك ، وفي الإصلاح الديني ، خلق عظيم محيط بالعالم ، منه تنزل التدبيرات الإلهية .

يلج : يدخل .

يعرج : يصعد

التفسير :

4- { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

تسابق المسلمون إلى العمل بالقرآن الكريم ، وقد آمنوا بالمحكم ، وفوضوا إلى الله تعالى المتشابه ، واندفعوا إلى تحقيق مطالب الإيمان ، ففتحوا البلاد ، ونشروا دين الله في الأرض ، وبعد الفتوح والهدوء وجدنا البحث في الصفات وفي المتشابه .

فالسلف يقولون : نؤمن بها كما وردت ، ونفوض المراد إلى الله تعالى .

مثل قوله تعالى : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } .

قال الإمام مالك :

الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .

أي أننا نؤمن بآيات الصفات كما جاءت ، بلا تشبيه ولا تعطيل ، نؤمن بأن الله على العرش ، كيف شاء وكما شاء ، بلا حدّ ولا صفة يبلغها واصف .

أما مذهب الخلف فيقولون : حاشا وكلا أن ينزل الله قرآنا ، ويطلب منا تدبّره وفهمه والاستنباط منه ، ثم نمنع أنفسنا من تأويله بمعان تليق بذاته تعالى ، مثل :

{ يد الله فوق أيديهم } . . . ( الفتح : 10 ) . { ولتصنع على عيني } . ( طه : 39 ) . { ثم استوى على العرش } . ( الحديد : 4 ) .

فيؤولون ذلك بقولهم : قدرة الله فوق قدرتهم ، ولتربّى بعنايتي وتوفيقي ، ثم استولى وغلب وقهر ومَلَك العرش ، وهو خلق عظيم محيط بالعالم ، منه تنزل التدبيرات الإلهية .

جاء في تفسير المنار :

والمعنى الكليّ المفهوم من العرش أنه مركز نظام الكون ، ومصدر التدبير له ، وأن المتبادر في الاستعمال اللغوي استعمالهم : استوى على عرشه ، بمعنى ملك أو استقام أمر الملك له ، وثُلَّ عرشه ، بمعنى هلك وزال ملكه ، ونحن نعلم أن عروش ملوك البشر تختلف مادة وشكلا ، وهي من عالم الشهادة ، وصنع أيدي البشر ، أما عرش الرحمن فهو من عالم الغيب الذي لا ندركه بحواسنا ، ولا نستطيع تصويره بأفكارنا ، وحسبنا أن نفهم الجملة ، ونستفيد العبرة .

خلق السماوات والأرض

المتأمل في الآيات التي تحدثت عن خلق السماوات والأرض وعن خلق الكون ، يخلص إلى النقاط الآتية :

1- وجود مراحل ست للخلق عموما .

2- تداخل مراحل خلق السماوات مع مراحل خلق الأرض .

3- خلق الكون ابتداء من كومة أولية فريدة ، كانت تشكل كتلة متماسكة ، انفصلت أجزاؤها بعد ذلك .

4- تعدد السماوات ، وتعدد الكواكب التي تشبه الأرض .

5- وجود خلق وسيط بين السماوات والأرض .

6- إن المطابقة واضحة بين مفهوم السديم الأولي في العلم الحديث ، والدخان على حسب إشارة القرآن للدلالة على الحالة الغازية للمادة التي كونت الكون في هذه المرحلة الأولى .

وآيات القرآن الكريم يفسر بعضها بعضا ، ويكمل بعضها بعضا ، وقد أفاد القرآن أن الكون كان كرة ملتهبة ملتصقة ببعضها ، وكانت السماء رتقاء لا تُمطر ، والأرض صمّاء لا تنبت ، ففتق الله السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالنبات ، وسخّر الهواء والفضاء ، والشمس والقمر ، والأنهار والبحار والنبات ، ليعمر الكون بإرادة الله .

قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } . ( الأنبياء : 30-33 ) .

معنى الآية :

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ . . . }

أي : خلق الكون في مقدار ستة أيام من أيام لله تعالى ، ولو شاء لخلق السماوات والأرض في لمح البصر ، لكنه أراد أن يعلّم عباده الحكمة والصبر ، والأخذ بالأسباب ، وإتباع السنن الإلهية في الجدّ والعمل والدأب ، وانتظار الوقت المناسب لإنضاج الثمرة ، أو اكتمال العمل .

وقد انعقد في الولايات المتحدة الأمريكية مؤتمر للبحث في عمر الدنيا ، وعمر الإنسان على هذا الكوكب ، وذلك في أبريل سنة 1993م ، ومن نتائج المؤتمر أن عمر الكون 13 بليون سنة ، وأن عمر الإنسان في هذا الكون 7 ملايين سنة ، أي أن خلق الكون قد استمر 6 بلايين سنة ، حتى هدأت القشرة الملتهبة ، وأصبح الكون صالحا لحياة الإنسان ، ثم استخلف الله آدم لعمارة الأرض واستغلال طاقاتها ، وقدر الله في الأرض أرزاقها وأقواتها ، وحثّ الإنسان على أداء الصلاة ، ثم السعي على كسب الأرزاق .

قال تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . ( الجمعة : 10 ) .

{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ . . . }

ثم استولى على الملك ، يدبّره ويوصل كل شيء فيه إلى كماله .

{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا . . }

يعلم ما بداخل الأرض من مطر وأموات وبذور وحشرات ، وهوام وكنوز وغيرها ، علما تفصيليا ، ويعلم الله ، َمَا يَخْرُجُ مِنْهَا . من نبات ونفائس ، ومعادن ونحوها ، كما قال تعالى :

{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } . ( الأنعام : 59 ) .

{ وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ . . . } من الأرزاق والملائكة والرحمة والعذاب .

وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا . وما يصعد إليها من كلم طيب ودعوات وعبادات ، أو ذرات البخار ، أو جن يسترق السمع ، أو أرواح تصعد إلى بارئها .

قال تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه . . . } ( فاطر : 10 )

وقال تعالى : { ألا يعلم من خلق . . . } ( الملك : 14 ) .

{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ . . . }

هو سبحانه مع خلقه جميعا بعلمه وقدرته ، وتدبيره وإحاطته إحاطة تامة بجميع الموجودات .

قال تعالى : { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } . ( يونس : 61 ) .

{ واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

هو سبحانه مطلع وشاهد ، ورقيب وحسيب ، تنكشف أمامه جميع الموجودات انكشافا تاما دون سبق خفاء فهو سبحانه سميع بصير .

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل لما سأله عن الإحسان : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . 7

وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى ينشد هذين البيتين :

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

{ خلق السموات . . . } [ آية 54 الأعراف ص 262 ] . { ثم استوى على العرش } استواء يليق به سبحانه ! بلا كيف ولا تمثيل ولا تشبيه [ آية 54 الأعراف ] . { يعلم ما يلج في الأرض . . . } [ آية 2 سبأ ص 193 ] . { وهو معكم } أي عالم بكم أينما كنتم . فالمعية مجاز عن العلم بعلاقة السببية ؛ والقرينة السباق واللحاق مع استحالة الحقيقة . وقد أول السلف هذه الآية بذلك ؛ كما أخرجه البيهقي عن ابن عباس والثوري . وفي البحر : أن الأمة مجمعة على هذا التأويل فيها ، وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات لاستحالتها .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

في ستة أيام : في ستة أطوار .

استوى على العرش : استولى عليه . العرش : الملك والسلطان .

وهو الذي خلق هذا الكونَ في ستة أطوار ، فدبَّره جميعه ثم استولى على العرش . وقد تقدَّم مثلُ هذه الآية في عدة سور : الأعراف ويونس وهود والفرقان والسجدة .

يعلم كل ما يغيب في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يصعَد إليها ، { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } عليمٌ بكم ، محيطٌ بشئونكم في أيّ مكان كنتم . { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

{ يعلم ما يلج في الأرض } ما يدخل فيها من مطر وغيره { وما يخرج منها } من نبات وشجر { وما ينزل من السماء } من رزق ومطر وملك وأمر { وما يعرج فيها } يصعد اليها من عمل { وهو معكم } بالعلم والقدرة { أين ما كنتم }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

قوله تعالى : " هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش " تقدم في " الأعراف{[14698]} " مستوفي . " يعلم ما يلج في الأرض " أي يدخل فيها من مطر وغيره " وما يخرج منها " من نبات وغيره " وما ينزل من السماء " من رزق ومطر وملك " وما يعرج فيها " يصعد فيها من ملائكة وأعمال العباد " وهو معكم أين ما كنتم " يعني بقدرته وسلطانه وعلمه " والله بما تعملون بصير " يبصر أعمالكم ويراها ولا يخفى عليه شيء منها . وقد جمع في هذه الآية بين " استوى على العرش " وبين " وهو معكم " والأخذ بالظاهرين تناقض فدل على أنه لا بد من التأويل ، والإعراض عن التأمل اعتراف بالتناقض . وقد قال الإمام أبو المعالي : إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لم يكن بأقرب إلى الله عز وجل من يونس بن متى حين كان في بطن الحوت . وقد تقدم .


[14698]:راجع جـ 7 ص 218.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

قوله تعالى : { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير 4 له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور 5 يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور } .

يبين الله في ذلك عظيم سلطانه وبالغ قدرته وعلمه فهو خالق كل شيء ولا يخفى عليه من أخبار الكون أيما شيء . فقال سبحانه : { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } خلق الله كل شيء وخلق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما في ستة أيام . وقيل : هي من أيام الدنيا . وقيل غير ذلك . والله قادر أن يخلق ذلك كله في طرفة عين وذلك بقوله : { كن } لكن الله له في كيفية الخلق ما يشاء من الحكمة ، لا يسأل عما يفعل .

قوله : { ثم استوى على العرش } وهذا من متشابه القرآن ، وقد قيل في تأويله عدة أقوال منها أنه استولى على العرش .

قوله : { يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها } الله يعلم ما يلج في الأرض من الماء والبذر والمعادن والكنوز والموتى . وهو سبحانه يعلم كذلك ما يخرج من الأرض من زروع وثمار وغير ذلك من الهوام ونحوها .

قوله : { وما ينزل من السماء } أي من الأمطار والأقدار والملائكة والأحكام وغير ذلك .

قوله : { وما يعرج فيها } الله يعلم ما يصعد في السماء من الأعمال والدعوات والملائكة .

قوله : { وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير } الله رقيب على العباد ، وهو سبحانه شهيد على أقوالهم وأعمالهم ، عليم بما تكنه صدورهم من الأسراروالخفايا ، ولا يعزب عن علمه من أخبارهم شيء . وهو سبحانه معهم بعلمه وقدرته حيثما كانوا : في البر أو البحر أو القفر ، في السماء أو الأرض أو تحت الأرض ، في الليل أو النهار ، يستوي ذلك كله في علم الله .