إنها جولة في مصارع الغابرين ، بعد تلك الجولة في ملكوت السماوات والأرض . جولة تهز القلوب المستكبرة برؤية مصارع المستكبرين :
( إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله ) . .
الكلمة الواحدة التي جاء بها الرسل أجمعين . وقام عليها بنيان كل دين .
( قالوا : لو شاء ربنا لأنزل ملائكة . فإنا بما أرسلتم به كافرون ) . .
وهي كذلك الشبهة المتكررة التي ووجه بها كل رسول . وما كان لرسول يخاطب البشر أن يكون إلا من البشر . يعرفهم ويعرفونه . ويجدون فيه قدوة واقعية ، ويعاني هو ما يعانونه . ولكن عاداً وثمودا أعلنوا كفرهم برسلهم ، لأنهم بشر لا ملائكة كما كانوا يقترحون !
لو شاء ربنا لأنزل ملائكة : لو أراد الله إرسال رسل إلينا لأنزل لنا ملائكة تدعونا إلى عبادته .
14-{ إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون } .
لقد تقدمت الرسل إليهم بالدعوة والحجة والدليل والبرهان ، وأعملوا فيهم كل حيلة ، وسلكوا كل سبيل ، ومن ذلك أنهم قصّوا عليهم قصص الأمم السابقة وما أصاب المكذبين من الهلاك ، ولفتوا أنظارهم إلى دلائل القدرة الإلهية في خلق السماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والنبات والزروع والثمار ، والبحار والأنهار ، ومن كانت هذه آثار قدرته فينبغي أن نخصّه بالعبادة ، وأن نعبده وحده لا شريك له ، فهو سبحانه الخالق الرازق المتفرد بالبقاء ، وهو النافع الضار ، فينبغي أن نتجه إليه وحده بعبادتنا ، وألاّ نعبد أحدا سواه .
{ قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة . . . } .
قال الذين كفروا لرسلهم : أنتم بشر مثلنا ، ولو أراد الله أن يرسل إلينا رسولا لاختاره ملكا متميزا علينا حتى نؤمن به .
{ فإنا بما أرسلتم به كافرون } .
لقد كفرنا برسالتكم وكذّبنا دعوتكم ، ونسي هؤلاء أنّهم لا يطيقون رؤية الملاك في صورته الحقيقية ، وأن الله لو أرسل ملكا لأرسله في صورة بشر .
قال تعالى : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون } . ( الأنعام : 9 )
" إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم " يعني من أرسل إليهم وإلى من قبلهم " ألا تعبدوا إلا الله " موضع " أن " نصب بإسقاط الخافض أي ب " ألا تعبدوا " " قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة " بدل الرسل " فإنا بما أرسلتم به كافرون " من الإنذار والتبشير . قيل : هذا استهزاء منهم . وقيل : إقرار منهم بإرسالهم ثم بعده جحود وعناد .
قوله : { إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي جاءتهم الرسل المتقدمون والمتأخرون ، أو الذين أرسلوا إليهم وإلى من قبلهم { أَلاَّ تَعْبُدُوا أَلاَّ اللَّهَ } أمروهم أن لا يعبدوا أحدا سوى الله ، وحذروهم بأس الله وشديد بطشه وانتقامه . ومع ذلك كذبوا وأعرضوا وقالوا : { لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً } أي لو كان الله مرسلا رسلا حقا لأرسل ملائكته من عنده فآمنا بهم وصدقنا بما جاءوا به ؛ وبذلك لسنا بمؤمنين لبشر ، وهو قوله : { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أي لسنا مؤمنين لبشر مثلنا فقد كذبنا بما جئتمونا به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.