وفي الختام يجيء ذلك الإيقاع الكوني الهائل ، فيربط موضوع السورة وتشريعاتها وتوجيهاتها بقدر الله وقدرة الله ، وعلم الله ، في المجال الكوني العريض :
( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، يتنزل الأمر بينهن ، لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) . .
والسماوات السبع لا علم لنا بحقيقة مدلولها وأبعادها ومساحاتها . وكذلك الأراضي السبع . فقد تكون أرضنا هذه التي نعرفها واحدة منهن والباقيات في علم الله . وقد يكون معنى مثلهن أن هذه الأرض من جنس السماوات فهي مثلهن في تركيبها أو خصائصها . . وعلى أية حال فلا ضرورة لمحاولة تطبيق هذه النصوص على ما يصل إليه علمنا ، لأن علمنا لا يحيط بالكون ، حتى نقول على وجه التحقيق : هذا ما يريده القرآن . ولن يصح أن نقول هكذا إلا يوم يعلم الإنسان تركيب الكون كله علما يقينيا . . وهيهات . . !
فننتفع بإيحاء هذه الإشارة إلى تلك الحقيقة في مجالها النفسي ، وفي إنشاء التصور الإيماني الكوني الصحيح .
والإشارة إلى هذا الكون الهائل : ( سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ) . . يهول الحس ويقف القلب وجها لوجه أمام مشهد من مشاهد قدرة الخالق ، وسعة ملكه ، تصغر أمامه هذه الأرض كلها ، فضلا على بعض ما فيها ، فضلا على حادث من أحداثها . فضلا على دريهمات ينفقها الزوج أو تتنازل عنها الزوجة !
وبين هذه السماوات السبع والأرض أو الأرضين السبع يتنزل أمر الله - ومنه هذا الأمر الذي هم بصدده في هذا السياق . فهو أمر هائل إذن ، حتى بمقاييس البشر وتصوراتهم في المكان والزمان بقدر ما يطيقون التصور . والمخالفة عنه مخالفة عن أمر تتجاوب به أقطار السماوات والأرضين ، ويتسامع به الملأ الأعلى وخلق الله الآخرون في السماوات والأرضين . فهي مخالفة بلقاء شنعاء ، لا يقدم عليها ذو عقل مؤمن ، جاءه رسول يتلو عليه آيات الله مبينات ، ويبين له هذا الأمر ، ليخرجه من الظلمات إلى النور . .
وهذا الأمر يتنزل بين السماوات والأرض ، لينشئ في قلب المؤمن عقيدة أن الله على كل شيء قدير ؛ فلا يعجزه شيء مما يريد . وأنه أحاط بكل شيء علما ؛ فلا يند عن علمه شيء مما يكون في ملكه الواسع العريض ، ولا مما يسرونه في حنايا القلوب .
ولهذه اللمسة قيمتها هنا من وجهين :
الأول أن الله الذي أحاط بكل شيء علما هو الذي يأمر بهذه الأحكام . فقد أنزلها وهو يحيط بكل ظروفهم وملابساتهم ومصالحهم واستعداداتهم . فهي أولى بالاتباع لا يلتفتون عنها أدنى التفات ؛ وهي من وضع العليم المحيط بكل شيء علما .
والثاني أن هذه الأحكام بالذات موكولة إلى الضمائر ، فالشعور بعلم الله واطلاعه على كل شيء هو الضمان لحساسية هذه الضمائر ، في شأن لا يجدي فيه شيء إلا تقوى الله العليم بذات الصدور .
وهكذا تختم السورة بهذا الإيقاع الذي يهول ويروع ، بقدر ما يحرك القلوب لتخبت وتطيع . فسبحان خالق القلوب ، العليم بما فيها من المنحنيات والدروب !
ومن الأرض مثلهن : خلق مثلهنّ في العدد من الأرض ، يعني سبع أرضين .
يتنزّل الأمر بينهنّ : يجري أمر الله وقضاؤه بينهن ، وينفذ حكمه فيهنّ .
12- { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } .
ما أعظم الخالق ، وما أبدع الصانع ، وما أقوى القدير ، وما أعظم علمه وإحاطته بكل شيء في هذا الكون .
الله تعالى هو الذي خلق سبع سماوات طباقا .
قال تعالى : { ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا*وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا } . ( نوح : 15-16 ) .
وخلق سبحانه سبع أرضين ، يتنزل وحي الله وأمره ، وقضاؤه وقدره ، وحكمه ومشيئته ، بين السماوات السبع والأرضين السبع .
فهو سبحانه حافظ الكون ومدبّره ، وممسك بزمامه ، وهو كامل القدرة والعلم ، فاعلموا ذلك وراقبوه في سائر أموركم ، وفي شئون الطلاق ، وما يتصل به من العدة والسكنى والنفقة والإمساك بالمعروف أو المفارقة بالمعروف .
ذُكر لفظ السماوات في القرآن جمعا ، ولفظ الأرض مفردا في سائر القرآن الكريم ، وهذه هي الآية الوحيدة التي تشعر أن ألأرض ربما تكون سبع أرضين .
ومن العلماء من ذهب إلى أن السماء سبع سماوات ، واستدل على ذلك بما ورد في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد إلى السماء ليلة الإسراء والمعراج ، حيث رأى :
وفي السماء الثانية : يحيى وعيسى ، وهما ابنا الخالة .
وفي السماء الثالثة : يوسف ، وقد أُعطي شطر الحسن .
وفي السماء الرابعة : إدريس ، وقد رفعه الله مكانا عليا .
وفي السماء السابعة : إبراهيم ، عليهم جميعا السلام .
وأما الأرض فهي أرض مفردة ، وأما قوله تعالى : ومن الأرض مثلهن . . . أي في الإحكام والإبداع وحسن التقدير .
واللفظ صالح لأن يراد به سبع سماوات وسبع أرضين ، وهو الأرجح والأقوى ، وصالح لأن يراد به سبع سماوات ، ومن الأرض الواحدة مثلهن في الإبداع والتكامل وعناية الله بالخلق ورعايته .
قال تعالى : { إنّ الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده . . . } ( فاطر : 41 )
وأنا أرى أنه لابد أن تكون هناك حكمة إلهية لا نعرفها نحن الآن ، وقد نعرفها في المستقبل ، من ذكر السماوات جمعا وسبع في القرآن ، وذكر لفظة الأرض مفردة في جميع القرآن ، ما عدا هذه الآية الأخيرة في سورة الطلاق .
{ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } .
وقد ذهب الإمام ابن كثير إلى أن الأرض سبع ، حيث قال : ومن الأرض مثلهن . أي : سبعا أيضا ، كما ثبت في الصحيحين : " من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين يوم القيامة " xi
وفي صحيح البخاري : " خُسف به إلى سبع أرضين " .
خلاصة ما اشتملت عليه سورة الطلاق
للطلاق آداب ينبغي أن تراعى ، ومن ذلك ما يأتي :
1- ينبغي أن يكون في طهر لم تجامع فيه الزوجة .
2- ينبغي إحصاء ومعرفة مدة العدة ، وبدايتها ونهايتها .
3- ينبغي أن تسكن الزوجة في بيت الزوج فترة العدة .
4- الإمساك بالمعروف ، أو الطلاق مع الإحسان ، وهو إعطاء المطلقة مؤخر الصداق والسكنى والنفقة .
5- وجوب الإشهاد على الزواج والطلاق والرجعة .
6- تقوى الله والتوكل عليه والالتزام بأحكامه ، طريق للسعادة في الدارين .
7- للمطلقة السكنى والنفقة حسب يسار الزوج وإعساره .
8- أهلك الله كثيرا من القرى الظالمين جزاء عنادهم وعتوّهم وكبرهم عن الخضوع لأحكام الله ، فاستحقوا عذاب الدنيا ، ولهم في الآخرة عذب عظيم .
9- ليتق الله كل مؤمن ومؤمنة في مراعاة أحكام الله .
أ- عدة ذوات الأقراء : 3 قروء .
ج- عدة المتوفى عنها زوجها : 3 أشهر وعشرة أيام .
د- عدة الآيسة من الحيض ، وعمرها عادة خمس وخمسون سنة : 3 أشهر .
ه- وكذلك الصغيرة التي لم ينزل عليها دم الحيض ، عدتها : 3 أشهر .
و- هناك طلاق رجعي يستطيع الزوج مراجعة زوجته فيه ما دامت في العدة ، فإذا أتمت العدة فهو طلاق بائن بينونة صغرى ، فإذا كان الطلاق مكملا للثلاث بانت المطلقة بينونة كبرى .
رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ( 3331 ) وفي النكاح ( 5186 ) ومسلم في الرضاع ( 1468 ) وأحمد ( 10071 ) والدارمي في النكاح ( 2221 ) من حديث أبي هريرة .
iv كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته :
رواه البخاري في الجمعة ( 893 ) وفي الاستقراض ( 2409 ) وفي العتق ( 2554-2558 ) وفي الوصايا ( 2751 ) وفي النكاح ( 5188-5200 ) وفي الأحكام ( 7138 ) ومسلم في الإمارة ( 1829 ) وأبو داود في الخراج ( 2928 ) والترمذي في الجهاد ( 1705 ) وأحمد في مسنده ( 4481-5145-5867-5990 ) من حديث عبد الله بن عمر .
v روى البخاري في صحيحه أن عبد الله بن عمر طلّق امرأة له وهي حائض ، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتغيظ رسول الله ثم قال : " ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض فتطهر ، فإن بدا له أن يطلقها فيطلقها طاهرا قبل ن يمسها ، فتلك العدة لتي أمر بها الله عز وجل " .
ورواه مسلم بلفظ : " . . فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " أي : ذلك معنى قوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } ( الطلاق : 1 ) ، أي : طلقوهن مستقبلات لعدتهن ولا يكون ذلك إلا بعد أن تحيض المرأة ثم تطهر ، وهي حالة أرغب ما يكون فيها الرجل ، فإذا طلقها في هذه الحالة دل على عدم رغبته فيها .
vi نصف النساء يكون يأسهن من الحمل بين 45-50 سنة .
ربع النساء يكون يأسهن بين 40-45 سنة .
ثمن النساء يكون يأسهن بين 35-40 سنة .
ثمن النساء يكون يأسهن بين 50-55 سنة .
vii انظر السيوطي في الدر المنثور ، والتفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي ، دار الفكر المعاصر بيروت لبنان ، جزء 28 ص 266 ، والتفسير الوسيط بإشراف الأزهر بمصر ، ومختصر تفسير ابن كثير بتحقيق الصابوني 3/514 ، والحديث أخرجه الحاكم عن جابر ، وأخرجه ابن مردويه والخطيب عن ابن عباس .
viii إن العبد ليحرم الرزق بالذنب :
رواه ابن ماجة في الفتن ( 4022 ) وأحمد في مسنده ( 5/280-282 ) .
تقدم تخرجه انظر هامش ( 105 ) .
رواه مسلم في أثناء حديث طويل من كتاب صلاة المسافرين ، باب جمع صلاة الليل ، ومن نام عنه أو مرض ( 746 ) عن زرارة أن سعد ين هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله ، فقدم المدينة ، فأراد أن يبيع له عقارا به . فيجعله في السلاح والكراع ، ويجاهد الروم حتى يموت ، فلما قدم المدينة ، لقي أناسا من أهل المدينة ، فنهوه عن ذلك ، وأخبروهم أن رهطا أرادوا ذلك في حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم . وقال : " أليس لكم فيّ أسوة " ؟ فلما حدثوه بذلك راجع امرأته . وقد كان طلقها . وأشهد على رجعتها . فأتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال ابن عباس : ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من ؟ قال : عائشة . فأْتها فاسألها ، ثم ائتني فأخبرني بردها عليك ، فانطلقت إليها ، فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها . فقال : ما أنا بقاربها لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما إلا مضيا ، قال : فأقسمت عليه ، فجاء ، فانطلقنا إلى عائشة ، فاستأذنا عليها فأذنت لنا ، فدخلنا عليها . فقالت : أحكيم ؟ ( فعرفته ) فقال : نعم . فقالت : من معك ؟ قال : سعد بن هشام . قالت : من هشام ؟ قال : ابن عامر . فترحمت عليه . وقالت خيرا . ( قال قتادة : وكان أصيب يوم أحد ) فقلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى . قالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كن القرآن . قال : فهممت أن أقوم . . الحديث .
ورواه أحمد مختصرا ( 23460-24139-24629 ) .
xi من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه :
رواه مسلم في المساقاة ( 1610 ) من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين " .
قوله تعالى : " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن " دل على كمال قدرته وأنه يقدر على البعث والمحاسبة . ولا خلاف في السموات أنها سبع بعضها فوق بعض ، دل على ذلك حديث الإسراء{[15112]} وغيره . ثم قال : " ومن الأرض مثلهن " يعني سبعا . واختلف فيهن على قولين : أحدهما : وهو قول الجمهور - أنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض ، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء ، وفي كل أرض سكان من خلق الله . وقال الضحاك : " ومن الأرض مثلهن " أي سبعا من الأرضين ، ولكنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السموات . والأول أصح ؛ لأن الأخبار دالة عليه في الترمذي والنسائي وغيرهما . وقد مضى ذلك مبينا في " البقرة{[15113]} " . وقد خرج أبو نعيم قال : حدثنا محمد بن علي بن حبيش قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق السراج ، ( ح ){[15114]} وحدثنا أبو محمد{[15115]} بن حبان قال : حدثنا عبدالله بن محمد بن ناجية قال : حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن كعبا حلف له بالذي فلق البحر لموسى أن صهيبا حدثه أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها : ( اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ) . قال أبو نعيم : هذا حديث ثابت من حديث موسى بن عقبة تفرد به عن عطاء . روي عنه ابن أبي الزناد وغيره .
وفي صحيح مسلم عن سعيد بن زيد قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أخذ شبرا من الأرض ظلما فأنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين ) ومثله حديث عائشة ، وأبين منهما حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة ) . قال الماوردي : وعلى أنها سبع أرضين بعضها فوق بعض تختص دعوة أهل الإسلام بأهل الأرض العليا ، ولا تلزم من في{[15116]} غيرها من الأرضين وإن كان فيها من يعقل من خلق مميز . وفي مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان : أحدهما - أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها . وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة . والقول الثاني : أنهم لا يشاهدون السماء ، وأن الله تعالى خلق لهم ضياء يستمدونه . وهذا قول من جعل الأرض كالكرة . وفي الآية قول ثالث حكاه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين منبسطة ، ليس : بعضها فوق بعض ، تفرق بينها البحار وتظل جميعهم السماء . فعلى هذا إن لم يكن لأحد من أهل الأرض وصول إلى أرض أخرى اختصت دعوة الإسلام بأهل هذه الأرض ، وإن كان لقوم منهم وصول إلى أرض أخرى احتمل أن تلزمهم دعوة الإسلام عند إمكان الوصول إليهم ؛ لأن فصل البحار إذا أمكن سلوكها لا يمنع من لزوم ما عم حكمه ، واحتمل ألا تلزمهم دعوة الإسلام لأنها لو لزمتهم لكان النص بها واردا ، ولكان صلى الله عليه وسلم بها مأمورا . والله أعلم ما استأثر بعلمه ، وصواب ما أشتبه على خلقه . ثم قال : " يتنزل الأمر بينهن " قال مجاهد : يتنزل الأمر من السموات السبع إلى الأرضين السبع . وقال الحسن : بين كل سماءين أرض وأمر . والأمر هنا الوحي ، في قول مقاتل وغيره . وعليه فيكون قوله : " بينهن " إشارة إلى بين هذه الأرض العليا التي ، هي أدناها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها . وقيل : الأمر القضاء والقدر . وهو قول الأكثرين . فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى : " بينهن " إشارة إلى ما بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها . وقيل : " يتنزل الأمر " بينهن " بحياة بعض وموت بعض وغنى قوم وفقر قوم . وقيل : هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره ، فينزل المطر ويخرج النبات ويأتي بالليل والنهار ، والصيف والشتاء ، ويخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها وهيئاتها ، فينقلهم من حال إلى حال . قال ابن كيسان : وهذا على مجال اللغة وأتساعها ، كما يقال للموت : أمر الله ، وللريح والسحاب ونحوها . " لتعلموا أن الله على كل شيء قدير " يعني أن من قدر على هذا الملك العظيم فهو على ما بينهما من خلقه أقدر ، ومن العفو والانتقام أمكن ، وإن استوى كل ذلك ، في مقدوره ومكنته{[15117]} . " وأن الله قد أحاط بكل شيء علما " فلا يخرج شيء عن علمه وقدرته . ونصب " علما " على المصدر المؤكد ؛ لأن " أحاط " بمعنى علم . وقيل : بمعنى وأن الله أحاط إحاطة علما .
[ ختمت السورة بحمد الله وعونه ]{[15118]} .
قوله تعالى : { الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزّل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } يبين الله للناس بالغ قدرته وعظيم سلطانه وجبروته ، فهو الخالق المهيمن المقتدر الذي خلق سبع سماوات طباقا ، أي بعضها فوق بعض { ومن الأرض مثلهنّ } مثلهن ، منصوب بتقدير فعل . أي ومن الأرض خلق مثلهن{[4572]} يعني وخلق من الأرض سبعا . واختلفوا في هيئة هذه الطبقات السبع من الأرض . فقد قيل : سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض ، وبين الواحدة والتي تليها مسافة عظيمة . وقيل : خلق الله سبعا من الأرضيين مطبق بعضها على بعض من غير فتوق بينها أو مسافات . و الله أعلم بالحقيقة والصواب .
قوله : { يتنزّل الأمر بينهن } المراد بالأمر المنزّل بين السماء والأرض ، قضاء الله وقدره . أو تصرفه في شؤون خلقه أو تدبير أمرهم من إنزال المطر وإخراج النبات وخلق الليل والنهار والحيوان والإنسان وغير ذلك من وجوه التدبير والخلق .
قوله : { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير } أي ليستبين لكم وتوقنوا أن الله قادر على فعل ما يشاء { وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } أي ولتعلموا وتوقنوا بأن الله محيط علمه بكل شيء .