( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى ) . .
الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة . فظل في دائرة الطاعة .
ونهى النفس عن الهوى هو نقطة الارتكاز في دائرة الطاعة . فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان ، وكل تجاوز ، وكل معصية . وهو أساس البلوى ، وينبوع الشر ، وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قبل الهوى . فالجهل سهل علاجه . ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها .
والخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة . وقل أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى . ومن ثم يجمع بينهما السياق القرآني في آية واحدة . فالذي يتحدث هنا هو خالق هذه النفس العليم بدائها ، الخبير بدوائها وهو وحده الذي يعلم دروبها ومنحنياتها ، ويعلم أين تكمن أهواؤها وأدواؤها ، وكيف تطارد في مكامنها ومخابئها !
ولم يكلف الله الإنسان ألا يشتجر في نفسه الهوى . فهو - سبحانه - يعلم أن هذا خارج عن طاقته . ولكنه كلفه أن ينهاها ويكبحها ويمسك بزمامها . وأن يستعين في هذا بالخوف . الخوف من مقام ربه الجليل العظيم المهيب .
40 ، 41- وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى .
من راقب الله ، واتّبع أوامره ، واجتنب نواهيه ، وتذكّر الوقوف أمامه للحساب والجزاء ، فآثر الآخرة على الدنيا ، ونهى نفسه عن هواها ، ومشتهايتها من الزنا أو السرقة أو الخمر أو أيّ معصية ، فإن مآله الجنة ، هي مأواه ومستقره ، يقيم فيها خالدا مخلّدا أبدا ، يتمتع فيها بالنعيم المقيم ، ورضوان الله رب العالمين .
قوله تعالى : " وأما من خاف مقام ربه " أي حذر مقامه بين يدي ربه . وقال الربيع : مقامه يوم الحساب . وكان قتادة يقول : إن لله عز وجل مقاما قد خافه المؤمنون . وقال مجاهد : هو خوفه في الدنيا من الله عز وجل عند مواقعة الذنب فيقلع . نظيره : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " [ الرحمن : 46 ] . " ونهى النفس عن الهوى " أي زجرها عن المعاصي والمحارم . وقال سهل : ترك الهوى مفتاح الجنة ؛ لقوله عز وجل : " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى " قال عبد الله بن مسعود : أنتم في زمان يقود الحق الهوى ، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق فنعوذ بالله من ذلك الزمان .
ولما ذكر الطاغي ، أتبعه المتقي فقال : { وأما من خاف } ولما كان-{[71542]} ذلك الخوف مما يتعلق بالشيء لأجل ذلك الشيء أعظم من ذكر الخوف من ذلك الشيء نفسه فقال : { مقام ربه } أي قيامه بين يدي المحسن إليه عند تذكر إحسانه فلم يطغ فكيف عند تذكر جلاله وانتقامه ، أو المكان الذي يقوم فيه بين يديه و{[71543]}الزمان ، وإذا خاف ذلك المقام-{[71544]} فما ظنك بالخوف من صاحبه ، وهذا لا يفعله إلا من تحقق المعاد .
ولما ذكر الخوف ذكر ما يتأثر عنه ولم يجعله مسبباً عنه ليفهم{[71545]} أن كلاًّ منهما فاصل على حياله وإن انفصل عن الآخر فقال : { ونهى النفس } أي التي لها المنافسة { عن الهوى } أي كل ما تهواه فإنه لا يجر إلى خير لأن النار حفت بالشهوات ، والشرع كله مبني على ما يخالف الطبع وما تهوى الأنفس ، وذلك هو المحارم التي حفت بها النار فإنها بالشهوات ، قال الرازي : والهوى هو{[71546]} الشهوة المذمومة المخالفة لأوامر الشرع . قال الجنيد : إذا خالفت النفس هواها صار داؤها دواءها ، أي فأفاد ذلك أنه لم يؤثر الحياة الدنيا ، فالآية من الاحتباك : أتى بطغى دليلاً على ضده ثانياً ، وبالنهي عن الهوى ثانياً دلالة على إيثار الدنيا أولاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.