البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ} (40)

{ وأما من خاف مقام ربه } : أي مقاماً بين يدي ربه يوم القيامة للجزاء ؛ وفي إضافة المقام إلى الرب تفخيم للمقام وتهويل عظيم واقع من النفوس موقعاً عظيماً .

قال ابن عباس : خافه عندما هم بالمعصية فانتهى عنها .

{ ونهى النفس عن الهوى } : أي عن شهوات النفس ، وأكثر استعمال الهوى فيما ليس بمحمود .

قال سهل : لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين .

وقال بعض الحكماء : إذا أردت الصواب فانظر هواك فخالفه .

وقال عمران الميرتليّ :

فخالف هواها واعصها إن من يطع *** هوى نفسه تنزع به كل منزع

ومن يطع النفس اللجوجة ترده *** وترم به في مصرع أي مصرع

وقال الفضيل : أفضل الأعمال خلاف الهوى ، وهذا التفضيل هو عام في أهل الجنة وأهل النار .

وعن ابن عباس : نزل ذلك في أبي جهل ومصعب بن عمير العبدري ، رضي الله تعالى عنه .

وعنه أيضاً : { فأما من طغى } ، فهو أخ لمصعب بن عمير ، أسر فلم يشدوا وثاقه ، وأكرموه وبيتوه عندهم ؛ فلما أصبحوا حدثوا مصعباً ، فقال : ما هو لي بأخ ، شدوا أسيركم ، فإن أمه أكثر أهل البطحاء حلياً ومالاً فأوثقوه .

{ وأما من خاف مقام ربه } فمصعب بن عمير ، وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أُحد حين تفرّق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه ، وهي السهام .

فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم متشحطاً في دمه قال : « عند الله أحتسبك » ، وقال لأصحابه : « لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما ، وإن شراك نعله من ذهب » قيل : واسم أخيه عامر .

وفي الكشاف ، وقيل : الآيتان نزلتا في أبي عزير بن عمير ومصعب بن عمير ، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزير يوم أُحد ، ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى نفذت المشاقص في جوفه . انتهى .