في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

ويضرب للمنافقين الذين أغروا إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب بالمقاومة ، فانتهوا بهم إلى تلك النهاية البائسة . يضرب لهم مثلا بحال دائمة . حال الشيطان مع الإنسان ، الذي يستجيب لإغرائه فينتهي وإياه إلى شر مصير :

( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان : اكفر . فلما كفر قال : إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين ) . .

وصورة الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني الإنسان ، تتفقان مع طبيعته ومهمته . فأعجب العجب أن يستمع إليه الإنسان . وحاله هو هذا الحال !

وهي حقيقة دائمة ينتقل السياق القرآني إليها من تلك الواقعة العارضة . فيربط بين الحادث المفرد والحقيقة الكلية ، في مجال حي من الواقع ؛ ولا ينعزل بالحقائق المجردة في الذهن . فالحقائق المجردة الباردة لا تؤثر في المشاعر ، ولا تستجيش القلوب للاستجابة . وهذا فرق ما بين منهج القرآن في خطاب القلوب ، ومنهج الفلاسفة والدارسين والباحثين !

وبهذا المثل الموحي تنتهي قصة بني النضير . وقد ضمت في ثناياها وفي أعقابها هذا الحشد من الصور والحقائق والتوجيهات . واتصلت أحداثها المحلية الواقعة بالحقائق الكبرى المجردة الدائمة . وكانت رحلة في عالم الواقع وفي عالم الضمير ، تمتد إلى أبعد من حدود الحادث ذاته ، وتفترق روايتها في كتاب الله عن روايتها في كتب البشر بمقدار ما بين صنع الله وصنع البشر من فوارق لا تقاس ! !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

11

16- { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } .

أي : مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من بني النضير بالنصرة إن قوتلوا ، أو الخروج معهم إن أُخرجوا ، ومثل بني النضير في غرورهم بوعودهم وإسلامهم إياهم في أشد حاجتهم إليهم وإلى نصرتهم – كمثل الشيطان الذي غرّ إنسانا ووعده بالنصرة عند الحاجة إليه إذا هو كفر بالله واتبعه وأطاعه ، فلما احتاج إلى نصرته أسلمه وتبرأ منه ، وقال : إني أخاف الله رب العالمين إذا أنا نصرتك ، لئلا يشركني معك في العذاب .

والخلاصة :

أن مثل اليهود في اغترارهم بمن وعدهم بالنصرة من المنافقين بقولهم لهم : لئن قوتلتم لننصرنكم ، ولما جد الجد واشتد الحصار والقتال تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة – كمثل الشيطان إذ سول للإنسان الكفر والعصيان ، فلما دخل تبرأ منه وتنصل ، وقال : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ .

ولا تجد مثلا أشد وقعا على النفوس ، ولا أنكى جرحا في القلوب من هذا المثل ، لمن اعتبر وادّكر ، ولكنهم قوم لا يعقلون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

ومثل هؤلاء المنافقين الذين غروا إخوانهم من أهل الكتاب { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ } أي : زين له الكفر وحسنه ودعاه إليه ، فلما اغتر به وكفر ، وحصل له الشقاء ، لم ينفعه الشيطان ، الذي تولاه ودعاه إلى ما دعاه إليه ، بل تبرأ منه و { قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } أي : ليس لي قدرة على دفع العذاب عنك ، ولست بمغن عنك مثقال ذرة من الخير .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (16)

ولما شبه سبحانه أمرهم في {[64089]}طاعتهم لابن{[64090]} أبي ومن معه وهم البعداء المحترقون بسبب إبعاد المؤمنين لهم بإبعاد الله واحتراق أكبادهم لذلك{[64091]} مع ما أعد{[64092]} لهم في الآخرة بأمر بني قينقاع ، شبه قصة الكل بقصة الشيطان و{[64093]}من أطاعه من الإنس والجن{[64094]} ، فقال مبيناً لمعنى ما حط{[64095]} عليه آخر الكلام : { كمثل } أي مثل الكل{[64096]} الواعدين بالنصر والمغترين بوعدهم مع علمهم بأن الله كتب في الذكر { لأغلبن أنا ورسلي }[ المجالة : 21 ] في إخلافهم الوعد وإسلامهم إياهم عند ما حق الأمر يشبه مثل{[64097]} { الشيطان } أي البعيد من كل خير لبعده من الله المحترق بعذابه ، والشيطان هنا مثل المنافقين { إذا قال للإنسان } أي كل من فيه نوس واضطراب وهو هنا مثل اليهود : { اكفر } أي بالله بما زين{[64098]} له ووسوس إليه من اتباع الشهوات القائم مقام الأمر .

ولما كان الإنسان بما يساعد تزيين الشيطان عليه من شهواته وحُظوظه وأخلاقه يطيع أمره غالباً قال : { فلما كفر } أي{[64099]} أوجد الكفر على أي وجه كان ، ودلت الفاء على إسراعه في متابعة تزيينه { قال } أي الشيطان الذي هو هنا عبارة عن المنافقين مؤكداً لما لمن تعلق بمن أكد له الوعد بشيء من صادق الاعتماد عليه والتكذيب بأنه{[64100]} يخذله : { إني بريء منك } أي ليس بيني وبينك علاقة في شيء{[64101]} أصلاً ظناً منه أن هذه البراءة تنفعه شيئاً {[64102]}مما استوجبه{[64103]} المأمور بقبوله لأمره ، وذلك كناية عن{[64104]} أنه فعل معه من الإعراض عنه والتمادي في كل ما يدل على إهماله من أكد البراءة منه ، وذلك كما فعل المنافقون باليهود{[64105]} جرؤوهم على أمر ينهى وهو الإقامة في بلدهم ، فلما نصبوا الحرب طمعاً في نصرهم فعل المنافقون بتباطؤهم عنهم فعل المتبرئ منهم{[64106]} فكان ذلك أشد عليهم مما لم يطمعوهم في نصرهم لأن هذا بمنزله انهزامهم{[64107]} عنهم من الصف الموجب لانهزامهم لا محالة ، ثم علل البراءة بقوله : { إني أخاف الله } أي الملك{[64108]} الذي لا أمر لأحد معه فلا تطاق صولته ، ثم شرح ذلك بقوله : { رب العالمين * } أي الذي أوجدهم من العدم ورباهم بما يدل على{[64109]} جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى ، فلا يغني أحد من خلقه عن أحد شيئاً إلا بإذنه وهو{[64110]} لا يغفر أصلاً لمن يقدح{[64111]} ربوبيته ولا سيما إن نسبها إلى غيره ، وكان هذا كمثل ما يجد الإنسان بعد الوقوع في المعصية من الندم والحيرة ، فإذا وجد ذلك وهم بالتوبة زين له المعصية وصعب عليه أمر التوبة وعسره وجرأه على المعصية بعينها أو على ما هو أكبر منها ، ولا يزال كذلك حتى يتعذر عليه الرجوع فيتحقق هلاكه وهلاك من أوقعه . فلذلك سبب عنه قوله :{ فكان . . . }


[64089]:- من ظ وم، وفي الأصل: ضمهم في ابن.
[64090]:- من ظ وم، وفي الأصل: ضمهم في ابن.
[64091]:- من ظ وم، وفي الأصل: بذلك.
[64092]:- زيد في الأصل: الله، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64093]:- زيد من ظ وم.
[64094]:-من ظ وم، وفي الأصل: الجان.
[64095]:- من ظ وم، وفي الأصل: حد.
[64096]:- زيد في الأصل أي، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[64097]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
[64098]:- زيد من ظ وم.
[64099]:-زيد في الأصل وم: الإنسان ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[64100]:- من ظ وم، وفي الأصل: بان.
[64101]:- زيد في الأصل: منهن ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64102]:- من ظ و م، وفي الأصل: لما يستوجبه.
[64103]:- من ظ وم، وفي الأصل: لما يستوجبه.
[64104]:- زيد من ظ وم.
[64105]:- زيدت الواو في الأصل ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64106]:- من ظ وم، وفي الأصل: عنهم.
[64107]:- من ظ وم، وفي الأصل: اعتزالهم.
[64108]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأمر.
[64109]:- زيد من م.
[64110]:- زيد من م.
[64111]:- من ظ وم، وفي الأصل: قدح.