ثم يجاء بجهنم فتقف متأهبة هي الأخرى !
" يومئذ يتذكر الإنسان " . . الإنسان الذي غفل عن حكمة الابتلاء بالمنع والعطاء . والذي أكل التراث أكلا لما ، وأحب المال حبا جما . والذي لم يكرم اليتيم ولم يحض على طعام المسكين . والذي طغى وأفسد وتولى . . يومئذ يتذكر . يتذكر الحق ويتعظ بما يرى . . ولكن لقد فات الأوان " وأنى له الذكرى ؟ " . . ولقد مضى عهد الذكرى ، فما عادت تجدي هنا في دار الجزاء أحدا ! وإن هي إلا الحسرة على فوات الفرصة في دار العمل في الحياة الدنيا !
وأنّى له الذكرى : من أين له منفعتها ؟ هيهات فقد جاءت بعد فوات الأوان .
23- وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكّر الإنسان وأنّى له الذكرى .
تأتي جهنم تتلمظ غيظا على من عصى الله تعالى ، ويراها الناس رأي العين .
قال تعالى : وبرّزت الجحيم لمن يرى . ( النازعات : 36 ) .
لقد كشفت جهنم للناظرين بعد أن اكنت غائبة عنهم ، فكأنها كانت بعيدة وجاءت إليهم ، عندئذ تذهب الغفلة وتجيء الفطنة ، ويتذكر الإنسان الغافل أيام غفلته ، ولكن بعد فوات الأوان .
إنه الآن يتعظ ويرق قلبه ووجدانه ، ويتحسر على الحياة التي أضاعه بغفلته ، ولكن لا تفيده هذه الذكرى ، فالدنيا عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل .
ولما كانت جهنم لا تأتي بنفسها لأنها لو أتت بنفسها لربما ظن أنها خارجة عن القدرة بل تقودها الملائكة ، فكلما عالجوها ذهاباً وإياباً حصل للناس من ذلك من الهول ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وكان المهول نفس المجيء بها لا تعيين الفاعلين ، لذلك بني للمفعول قوله : { وجاء } أي بأسهل أمر { يومئذ } أي إذ وقع ما ذكر { بجهنم } أي النار التي تتجهم من يصلاها ، روي أنه يؤتى بها لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك ، وهو كقوله تعالى :
{ وبرزت الجحيم لمن يرى }[ النازعات : 36 ] وأبدل من " إذا " توضيحاً لطول الفصل وتهويلاً قوله : { يومئذ } أي إذ وقعت هذه الأمور فرأى الإنسان ما أعد للشاكرين وما أعد للكافرين .
ولما قدم هذه الأمور الجليلة والقوارع المهولة اهتماماً بها وتنبيهاً على أنها ، لما لها من عظيم الموعظة ، جديرة بأن يتعظ بها كل سامع ، ذكر العامل في ظرفها وبدله فقال : { يتذكر الإنسان } أي على سبيل التجديد والاستمرار فيذكر كل ما كان ينفعه في الدنيا وما يضره فيعلم أن حبه للدنيا لم يفده إلا خساراً ، لا زاد بحبها شيئاً لم يكتب له ولا كان ينقصه بذلها شيئاً كما كتب له أو بذلها ، وإذا تذكر ذلك هان عليه البذل ، وليست تلك الدار دار العمل ، فلذلك قال : { وأنى } أي كيف ومن أي وجه { له الذكرى * } أي نفع التذكر العظيم فإنه في غير موضعه ، فلا ينفعه أصلاً بوجه من الوجوه لفوات دار العمل ، ولا يقع بذلك على شيء سوى الندم وتضاعف الغم والهم والآلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.