( الله يتوفى الأنفس حين موتها ، والتي لم تمت في منامها . فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) . .
فالله يستوفي الآجال للأنفس التي تموت . وهو يتوفاها كذلك في منامها - وإن لم تمت بعد - ولكنها في النوم متوفاة إلى حين . فالتي حان أجلها يمسكها فلا تستيقظ . والتي لم يحن أجلها بعد يرسلها فتصحو . إلى أن يحل أجلها المسمى . فالأنفس في قبضته دائماً في صحوها ونومها .
الله يتوفى الأنفس : يقبضها من الأبدان عند فناء آجالها ، وهي الوفاة الكبرى .
والتي لم تمت في منامها : ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها ، وهي الوفاة الصغرى .
فيمسك التي قضى عليها الموت : يحفظها ولا يردُّها إلى البدن .
ويرسل الأخرى : يردّ النفس النائمة إلى البدن عند اليقظة .
أجل مسمى : وقت سمّاه الله ينتهي به عمرها .
42- { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } .
يقبض الله أرواح الموتى بواسطة ملك الموت ومن يساعده من الملائكة .
قال تعالى : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } . ( الأنعام : 61 ) .
والله تعالى يتوفى أنفس النائمين عند النوم ، فتجتمع أرواح النائمين وأرواح الميتين .
عن علي رضي الله عنه قال : تخرج الروح عند النوم ، ويبقى شعاعها في الجسد ، فبذلك يرى الرؤيا ، فإذا انتبه من النوم عادت الروح إلى جسده بأسرع من لحظة .
وعن سعيد بن جبير : إن أرواح الأحياء وأرواح الأموات تتلقى في المنام ، فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت ، ويرسل الأخرى إلى أجسادها ، إلى انقضاء مدة حياتها {[601]} .
وفي الآية تنبيه على عظيم قدرته تعالى ، وانفراده بالألوهية ، وأنه يحيى ويميت ويفعل ما يشاء . لا يقدر على ذلك سواه . ا ه .
{ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } .
فيما ذكر لدلائل واضحة لقوم يُعمِلون عقولهم ، ويتفكرون ويتأملون ، في أنه تعالى هو المتصرف في الوجود كما يشاء ، وأنه سبحانه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى ، بما يرسل من الملائكة الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان ، والوفاة الصغرى عند المنام .
قال تعالى : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون } . ( الأنعام : 60 ) .
أخرج البخاري ، ومسلم ، من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره – طرفه الذي يلي الجسد ويلي الجانب الأيمن - فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم ليقل : باسمك ربّي وضعت جنبي وباسمك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " {[602]} .
وأخرج أحمد ، والبخاري ، وأبو داود ، عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ليلة الوادي : " إن الله تعالى قبض أرواحكم حين شاء وردّها عليكم حين شاء " {[603]} .
وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن سليم بن عامر أن عمر بن الخطاب قال : العجب من رؤيا الرجل أنه يبيت فيرى الشيء ولم يخطر على باله ، فتكون رؤياه كأخذ باليد ، ويرى الرجل الرؤيا فلا تكون رؤياه شيئا ، فقال علي رضي الله عنه : أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين ؟ يقول الله تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى . . . } فالله يتوفى الأنفس كلها ، فما رأت وهي عنده سبحانه في السماء فهي الرؤيا الصادقة ، وما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها فهي الكاذبة ، لأنها إذا أرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها ، وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها ، فعجب عمر من قوله رضي الله عنهما .
ونلاحظ أنه لا منافاة بين هذه الآية التي صرحت بأن الله تعالى هو الذي يتوفى الأنفس عند موتها ، وبين قوله تعالى : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } . ( السجدة : 11 ) .
وقوله تعالى : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرّطون } . ( الأنعام : 61 ) .
لأن المتوفّى في الحقيقة هو الله تعالى ، وملك الموت إنما يقبض الأرواح بإذنه سبحانه ، ولملك الموت أعوان وجنود من الملائكة ينتزعون الأرواح بأمره المستمد من أمر الله عز وجل .
وفي الآية تنبيه على عظيم قدرته سبحانه وتعالى وانفراده بالألوهية ، وأنه يفعل ما يشاء ويحيى ويميت ، ولا يقدر على أحد سواه .
فإذا يقبض الله الروح في حالين ، في حال النوم وحال الموت ، فما قبضه في حال النوم ، فمعناه أنه يغمره بما يحبسه عن التصرف فكأنه شيء مقبوض . . . ، وما يقبضه في حال الموت فهو يمسكه ولا يرسله إلى يوم القيامة .
{ 42 } { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
يخبر تعالى أنه المتفرد بالتصرف بالعباد ، في حال يقظتهم ونومهم ، وفي حال حياتهم وموتهم ، فقال : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } وهذه الوفاة الكبرى ، وفاة الموت .
وإخباره أنه يتوفى الأنفس وإضافة الفعل إلى نفسه ، لا ينافي أنه قد وكل بذلك ملك الموت وأعوانه ، كما قال تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } لأنه تعالى يضيف الأشياء إلى نفسه ، باعتبار أنه الخالق المدبر ، ويضيفها إلى أسبابها ، باعتبار أن من سننه تعالى وحكمته أن جعل لكل أمر من الأمور سببا .
وقوله : { وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } وهذه الموتة الصغرى ، أي : ويمسك النفس التي لم تمت في منامها ، { فَيُمْسِكُ } من هاتين النفسين النفس { الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ } وهي نفس من كان مات ، أو قضي أن يموت في منامه .
{ وَيُرْسِلُ } النفس { الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أي : إلى استكمال رزقها وأجلها . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } على كمال اقتداره ، وإحيائه الموتى بعد موتهم .
وفي هذه الآية دليل على أن الروح والنفس جسم قائم بنفسه ، مخالف جوهره جوهر البدن ، وأنها مخلوقة مدبرة ، يتصرف اللّه فيها في الوفاة والإمساك والإرسال ، وأن أرواح الأحياء والأموات تتلاقى في البرزخ ، فتجتمع ، فتتحادث ، فيرسل اللّه أرواح الأحياء ، ويمسك أرواح الأموات .
{ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } هذه الآية اعتبار ومعناها أن الله يتوفى النفوس على وجهين :
أحدهما : وفاة كاملة حقيقية وهي الموت .
والآخر : وفاة النوم لأن النائم كالميت في كونه لا يبصر ولا يسمع ومنه قوله :
{ وهو الذي يتوفاكم بالليل } [ الأنعام :60 ] وتقديرها ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها .
{ فيمسك التي قضى عليها الموت } أي : يمسك الأنفس التي قضى عليها بالموت الحقيقي ومعنى إمساكها أنه لا يردها إلى الدنيا .
{ ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } أي : يرسل الأنفس النائمة وإرسالها هو ردها إلى الدنيا ، والأجل المسمى هو أجل الموت الحقيقي ، وقد تكلم الناس في النفس والروح وأكثروا القول في ذلك بالظن دون تحقيق ، والصحيح أن هذا مما استأثر الله بعلمه لقوله : { قل الروح من أمر ربي } [ الإسراء :85 ] .