في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذِ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَٰسِلُ يُسۡحَبُونَ} (71)

56

ثم يعرض ماذا سوف يعلمون . .

إنها الإهانة والتحقير في العذاب . لا مجرد العذاب . ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ) . .

بهذه المهانة كما تسحب الأنعام والوحوش ! وعلام التكريم ? وقد خلعوا عن أنفسهم شارة التكريم ? !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذِ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَٰسِلُ يُسۡحَبُونَ} (71)

القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ كَذّبُواْ بِالْكِتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأغْلاَلُ فِيَ أَعْنَاقِهِمْ والسّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلّواْ عَنّا بَل لّمْ نَكُنْ نّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلّ اللّهُ الْكَافِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذّبوا بكتاب الله ، وهو هذا القرآن و«الذين » الثانية في موضع خفض ردا لها على «الذين » الأولى على وجه النعت وبِمَا أرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا يقول : وكذّبوا أيضا مع تكذيبهم بكتاب الله بما أرسلنا به رسلنا من إخلاص العبادة لله ، والبراءة مما يعبد دونه من الاَلهة والأنداد ، والإقرار بالبعث بعد الممات للثواب والعقاب .

وقوله : فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إذِ الأغْلالِ في أعْناقِهِمْ والسّلاسِلُ ، وهذا تهديد من الله المشركين به يقول جلّ ثناؤه : فسوف يعلم هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله ، المكذّبون بالكتاب حقيقة ما تخبرهم به يا محمد ، وصحة ما هم به اليوم مكذبون من هذا الكتاب ، حين تجعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم في جهنم . وقرأت قراء الأمصار : والسلاسلُ ، برفعها عطفا بها على الأغلال على المعنى الذي بيّنت . وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقرؤه «والسّلاسِلُ يُسْحَبُونَ » بنصب السلاسل في الحميم . وقد حُكي أيضا عنه أنه كان يقول : إنما هو وهم في السلاسل يسحبون ، ولا يجيز أهل العلم بالعربية خفض الاسم والخافض مضمر . وكان بعضهم يقول في ذلك : لو أن متوهّما قال : إنما المعنى : إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل يسحبون ، جاز الخفض في السلاسل على هذا المذهب ، وقال : مثله ، مما ردّ إلى المعنى ، قول الشاعر :

قَدْ سَالمَ الحَيّاتُ مِنْهُ القَدَما *** الأُفْعُوَانَ والشّجاعَ الأَرْقَما

فنصب الشّجاع والحيات قبل ذلك مرفوعة ، لأن المعنى : قد سالمت رجله الحيات وسالمتها ، فلما احتاج إلى نصب القافية ، جعل الفعل من القدم واقعا على الحيات .

والصواب من القراءة عندنا في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، لإجماع الحجة عليه ، وهو رفع السلاسل عطفا بها على ما في قوله : فِي أعْناقِهِمْ من ذكر الأغلال .

وقوله : يُسْحَبُونَ يقول : يسحب هؤلاء الذين كذّبوا في الدنيا بالكتاب زبانيةُ العذاب يوم القيامة في الحميم ، وهو ما قد انتهى حرّه ، وبلغ غايته .

وقوله : ثُمّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ يقول : ثم في نار جهنم يحرقون ، يقول : تسجر بها جهنم : أي توقد بهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : يُسْجَرُونَ قال : يوقد بهم النار .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ثُمّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ قال : يحرقون في النار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ قال : يسجرون في النار : يوقد عليهم فيها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذِ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَٰسِلُ يُسۡحَبُونَ} (71)

والظرف الذي في قوله : { إذِ الأغلال في أعناقهم } متعلق ب { يعلمون } أي يعلمون في ذلك الزمن . وشأن ( إذْ ) أن تكون اسماً للزمن الماضي واستعملت هنا للزمن المستقبل بقرينة ( سوف ) فهو إما استعمالُ المجاز بعلاقة الإِطلاق ، وإما استعارة تبعية للزمن المستقبل المحقق الوقوع تشبيهاً بالزمن الماضي وقد تكرر ذلك . ومنه اقترانها ب ( يوم ) في نحو قوله : { يومئذ تحدث أخبارها } [ الزلزلة : 4 ] ، وقوله : { يومئذ يفرح المؤمنون بنصر اللَّه } [ الروم : 4 ، 5 ] . وأول ما يعلمونه حين تكون الأغلال في أعناقهم أنهم يتحققون وقوع البعث .

والأغلال : جمع غُل ، بضم العين ، وهو حلقة من قدِّ أو حديد تحيط بالعنق تناط بها سلسلة من حديد ، أو سَير من قِدّ يُمسك بها المجرم والأسير .

والسلاسل : جمع سِلْسِلة بكسر السينين وهي مجموع حلق غليظة من حديد متصل بعضها ببعض .

ومن المسائل ما رأيته أن الشيخ ابن عرفة كان يوماً في درسه في التفسير سئل : هل تكون هذه الآية سنداً لما يفعله أمراء المغرب أصلحهم الله من وضع الجناة بالأغلال والسلاسل جرياً على حكم القياس على فعل الله في العقوبات كما استنبطوا بعض صور عقاب من عمل قوم لوط من الرجم بالحجارة ، أو الإِلقاء من شاهق . فأجاب بالمنع لأن وضع الغل في العنق ضرب من التمثيل وإنما يوثق الجاني من يده ، قال : لأنهم إنما قاسوا على فعل الله في الدنيا ولا يقاس على تصرفه في الآخرة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الإِحراق بالنار ، وقوله : « إنما يعذب بها رب العزة »