في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (15)

والفوج الأخير في هذا المقطع من السورة :

( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ، وانهارا وسبلا لعلكم تهتدون . وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) .

فأما الجبال الرواسي فالعلم الحديث يعلل وجودها ولكنه لا يذكر وظيفتها التي يذكرها القرآن هنا يعلل وجودها بنظريات كثيرة متعارضة أهمها أن جوف الأرض الملتهب يبرد فينكمش ، فتتقلص القشرة الأرضية من فوقه وتتجعد فتكون الجبال والمرتفعات والمنخفضات . ولكن القرآن يذكر أنها تحفظ توازن الأرض . وهذه الوظيفة لم يتعرض لها العلم الحديث .

وفي مقابل الجبال الرواسي يوجه النظر إلى الأنهار الجواري ، والسبل السوالك . والأنهار ذات علاقة طبيعية في المشهد بالجبال ، ففي الجبال في الغالب تكون منابع الأنهار ؛ حيث مساقط الأمطار . والسبل ذات علاقة بالجبال والأنهار . وذات علاقة كذلك بجو الأنعام والأحمال والانتقال .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ومن نِعمه عليكم أيها الناس أيضا ، أن ألقى في الأرض رواسي ، وهي جمع راسية ، وهي الثوابت في الأرض من الجبال . وقوله : أنْ تَمِيدَ بِكُمْ يعني : أن لا تميد بكم ، وذلك كقوله : يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلّوا ، والمعنى : أن لا تضلوا . وذلك أنه جلّ ثناؤه أرسى الأرض بالجبال لئلا يميد خلقه الذي على ظهرها ، بل وقد كانت مائدة قبل أن تُرْسى بها . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن قيس بن عباد : أن الله تبارك وتعالى لما خلق الأرض جعلت تمور ، قالت الملائكة : ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدا فأصبحت صبحا وفيها رواسيها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن حبيب ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : لما خلق الله الأرض قَمَصَت ، وقالت : أي ربّ أتجعل عليّ بني آدم يعملون عليّ الخطايا ويجعلون عليّ الخبث ؟ قال : فأرسى الله عليها من الجبال ما ترون وما لا ترون ، فكان قرارها كاللحم يترجرج .

والميد : هو الاضطراب والتكفؤ ، يقال : مادت السفينة تميد ميدا : إذا تكفأت بأهلها ومالت ، ومنه الميد الذي يعتري راكب البحر ، وهو الدوار .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أنْ تَمِيدَ بِكُمْ : أن تكفأ بكم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن الحسن ، في قوله : وألْقَى فِي الأرْضِ روَاسِيَ أنْ تَمِيدُ بِكُمْ قال : الجبال أن تميد بكم . قال : قتادة : سمعت الحسن يقول : لما خلقت الأرض كادت تميد ، فقالوا : ما هذه بمقرّة على ظهرها أحدا فأصبحوا وقد خُلقت الجبال ، فلم تدر الملائكة مم خُلقت الجبال .

وقوله : وأنهَارا يقول : وجعل فيها أنهارا ، فعطف بالأنهار على الرواسي ، وأعمل فيها ما أعمل في الرواسي ، إذ كان مفهوما معنى الكلام والمراد منه وذلك نظير قول الراجز :

تَسْمَعُ في أجْوَافِهِنّ صَوْرَا *** وفي اليَدَيْنِ حَشّةً وبَوْرَا

والحشة : اليُبس ، فعطف بالحشة على الصوت ، والحشة لا تسمع ، إذ كان مفهوما المراد منه وأن معناه وترى في اليدين حَشّةً .

وقوله : وَسُبُلاً وهي جمع سبيل ، كما الطرق جمع طريق . ومعنى الكلام : وجعل لكم أيها الناس في الأرض سُبلاً وفجاجا تسلكونها وتسيرون فيها في حوائجكم وطلب معايشكم رحمة بكم ونعمة منه بذلك عليكم ولو عماها لهلكتم ضلالاً وحيرة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : سُبُلاً : أي طرقا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : سُبُلاً قال : طرقا . وقوله لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ يقول : لكي تهتدوا بهذه السبل التي جعلها لكم في الأرض إلى الأماكن التي تقصدون والمواضع التي تريدون ، فلا تضلوا وتتحيروا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (15)

وقوله { وألقى في الأرض } الآية ، قال المتأولون { ألقى } بمعنى خلق وجعل .

قال القاضي أبو محمد : وهي عندي أخص من خلق وجعل ، وذلك أن { ألقى } تقتضي أن الله أحدث الجبال ليس من الأرض لكن من قدرته واختراعه ، ويؤيد هذا النظر ما روي في القصص عن الحسن عن قيس بن عباد ، أن الله تعالى لما خلق الأرض ، وجعلت تمور ، فقالت الملائكة ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً ، فأصبحت ضحى وفيها رواسيها . و «الرواسي » الثوابت ، رسا الشيء يرسو إذا ثبت ، ومنه قول الشاعر في صفة الوتد :

وأشعث ترسيه الوليدة بالفهد{[7267]} . . . و { أن } مفعول من أجله ، و «الميد » الاضطراب ، وقوله { أنهاراً } منصوب بفعل مضمر تقديره وجعل أو وخلق أنهاراً . قال القاضي أبو محمد : وإجماعهم على إضمار هذه الفعل دليل على خصوص ل { ألقى } ولو كانت { ألقى } بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإضمار ، و «السبل » الطرق ، وقوله { لعلكم تهتدون } في مشيكم وتصرفكم في السبل ، ويحتمل { لعلكم تهتدون } بالنظر في هذه المصنوعات على صانعها ، وهذا التأويل هو البارع ، أي سخر وألقى وجعل أنهاراً وسبلاً لعل البشر يعتبر ويرشد ولتكون علامات .


[7267]:هذا عجز بيت للأحوص، ذكر صاحب اللسان أن ابن بري قال: يقال أرسيت الوتد في الأرض إذا ضربتها فيها، قال الأحوص: سوى خالدات ما يرمن وهامد وأشعث ترسيه الوليدة بالفهر والفهر: الحجر، يذكر ويؤنث.والشاهد هنا أن «رسا» بمعنى ثبت، وهذا مثال للشيء المحسوس، وتستعمل«رسا»بمعنى ثبت أيضا في المعنويات، قال عنترة يصور شجاعته وثبات نفسه في المواقف الصعبة: وعلمت أن منيتي إن تأتني لا ينجيني منها الفرار الأسرع فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع