( يهدي به الله - من اتبع رضوانه - سبل السلام . ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم ) .
لقد رضي الله الإسلام دينا . . وهو يهدي من يتبع رضوانه هذا ويرتضيه لنفسه كما رضيه الله له . . يهديه . . ( سبل السلام ) . .
وما أدق هذا التعبير وأصدقه ؛ إنه " السلام " هو ما يسكبه هذا الدين في الحياة كلها . . سلام الفرد . وسلام الجماعة . وسلام العالم . . سلام الضمير ، وسلام العقل ، وسلام الجوارح . . سلام البيت والأسرة ، وسلام المجتمع والأمة ، وسلام البشر والإنسانية . . السلام مع الحياة . والسلام مع الكون . والسلام مع الله رب الكون والحياة . . السلام الذي لا تجده البشرية - ولم تجده يوما - إلا في هذا الدين ؛ وإلا في منهجه ونظامه وشريعته ، ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته .
حقا إن الله يهدي بهذا الدين الذي رضيه ، من يتبع رضوان الله ، ( سبل السلام ) . . سبل السلام كلها في هذه الجوانب جميعها . . ولا يدرك عمق هذه الحقيقة كما يدركها من ذاق سبل الحرب في الجاهليات القديمة أو الحديثة . . ولا يدرك عمق هذه الحقيقة كما يدركها من ذاق حرب القلق الناشى ء من عقائد الجاهلية في أعماق الضمير . وحرب القلق الناشى ء من شرائع الجاهلية وأنظمتها وتخبطها في أوضاع الحياة . وقد كان المخاطبون بهذه الكلمات أول مرة يعرفون من تجربتهم في الجاهلية معنى هذا السلام . إذ كانوا يذوقونه مذاقا شخصيا ؛ ويلتذون هذا المذاق المريح . .
وما أحوجنا نحن الآن أن ندرك هذه الحقيقة ؛ والجاهلية من حولنا ومن بيننا تذيق البشرية الويلات . . من كل ألوان الحرب في الضمائر والمجتمعات قرونا بعد قرون !
ما أحوجنا نحن الذين عشنا في هذا السلام فترة من تاريخنا ؛ ثم خرجنا من السلام إلى الحرب التي تحطم أرواحنا وقلوبنا ، وتحطم أخلاقنا وسلوكنا ، وتحطم مجتمعاتنا وشعوبنا . . بينما نملك الدخول في السلم التي منحها الله لنا ؛ حين نتبع رضوانه ؛ ونرضى لأنفسنا ما رضيه الله لنا
إننا نعاني من ويلات الجاهلية ؛ والإسلام منا قريب . ونعاني من حرب الجاهلية وسلام الإسلام في متناول أيدينا لو نشاء . . فأية صفقة خاسرة هذه التي نستبدل فيها الذي هو أدني بالذي هو خير ؟ ونشتري فيها الضلالة بالهدى ؟ ونؤثر فيها الحرب على السلام ؟
إننا نملك إنقاذ البشرية من ويلات الجاهلية وحربها المشبوبة في شتى الصور والألوان . ولكننا لا نملك إنقاذ البشرية ، قبل أن ننقذ نحن أنفسنا ، وقبل أن نفيء إلى ظلال السلام ، حين نفيء إلى رضوان الله ونتبع ما ارتضاه . فنكون من هؤلاء الذين يقول الله عنهم إنه يهديهم سبل السلام .
( ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ) . .
والجاهلية كلها ظلمات . . ظلمة الشبهات والخرافات والأساطير والتصورات . وظلمة الشهوات والنزعات والاندفاعات في التيه . وظلمة الحيرة والقلق والانقطاع عن الهدى والوحشة من الجناب الآمن المأنوس . وظلمة اضطراب القيم وتخلخل الأحكام والقيم والموازين . والنور هو النور . . هو ذلك النور الذي تحدثنا عنه آنفا في الضمير وفي العقل وفي الكيان وفي الحياة وفي الأمور . .
( يهديهم إلى صراط مستقيم . . )
مستقيم مع فطرة النفس ونواميسها التي تحكمها . مستقيم مع فطرة الكون ونواميسه التي تصرفه . مستقيم إلى الله لا يلتوي ولا تلتبس فيه الحقائق والاتجاهات والغايات . .
إن الله الذي خلق الإنسان وفطرته ؛ وخلق الكون ونواميسه ؛ هو الذي وضع للإنسان هذا المنهج ؛ وهو الذي رضي للمؤمنين هذا الدين . فطبيعي وبديهي أن يهديهم هذا المنهج إلى الصراط المستقيم ، حيث لا يهديهم منهج غيره من صنع البشر العاجزين الجهال الفانين !
وصدق الله العظيم . الغني عن العالمين . الذي لا يناله من هداهم أو ضلالهم شيء ولكنه بهم رحيم !
{ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ } . .
يعني عزّ ذكره : يهدي بهذا الكتاب المبين الذي جاء من الله جلّ جلاله ، ويَعْنِي بقوله : يَهْدِي بِهِ اللّهُ يرشد به الله ويسدّد به . والهاء في قوله به عائدة على الكتاب . مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ يقول : من اتبع رضا الله .
واختلف في معنى الرضا من الله جلّ وعزّ ، فقال بعضهم : الرضا منه بالشيء : القبول له والمدح والثناء . قالوا : فهو قابل الإيمان ومزكّ له ، ومثن على المؤمن بالإيمان ، وواصف الإيمان بأنه نور وهدًى وفَصْل .
وقال آخرون : معنى الرضا من الله جلّ وعزّ معنى مفهوم ، هو خلاف السّخْط ، وهو صفة من صفاته على ما يقعل من معاني الرضا ، الذي هو خلاف السخط ، وليس ذلك بالمدح ، لأن المدح والثناء قول ، وإنما يثني ويمدح ما قدر رُضِي قالوا : فالرضا معنى ، والثناء والمدح معنى ليس به .
ويعني بقوله : سُبُلَ السّلام : طرق السلام ، والسلام هو الله عزّ ذكره .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلامِ : سبيل الله الذي شرعه لعباده ، ودعاهم إليه ، وابتعث به رسله ، وهو الإسلام الذي لا يَقبَل من أحد عملاً إلا به ، لا اليهودية ، ولا النصرانية ، ولا المجوسية .
القول في تأويل قوله تعالى : ويُخْرِجُهُمْ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ بإذْنِهِ .
يقول عزّ ذكره : يهدي الله بهذا الكتاب المبين من اتبع رضوان الله إلى سبل السلام ، وشرائع دينه . ويُخْرِجُهُمْ يقول : ومن يخرج من اتبع رضوانه ، والهاء والميم في : ويخرجهم إلى من ذكر من الظلمات إلى النور ، يعني : من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإسلام وضيائه بإذنه ، يعني : بإذن الله جلّ وعزّ . وإذنه في هذا الموضع تحبيبه إياه الإيمان برفع طابعَ الكفر عن قلبه ، وخاتَم الشرك عنه ، وتوفيقه لإبصار سبل السلام .
القول في تأويل قوله تعالى : وَيهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
يعني عزّ ذكره بقوله : وَيهْدِيهِمْ : ويرشدهم ويسدّدهم إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول : إلى طريق مسقيم ، وهو دين الله القويم الذي لا اعوجاج فيه .
و { اتبع رضوانه } معناه بالتكسب والنية والإقبال عليه ، والسبل الطرق ، والقراءة في «رُضوان » بضم الراء وبكسرها وهما لغتان ، وقد تقدم ذكر ذلك وقرأ ابن شهاب والحسن بن أبي الحسن «سبْل » ساكنة الباء .
و { السلام } في هذه الآية يحتمل أن يكون اسماً من أسماء الله تعالى ، فالمعنى طرق الله تعالى التي أمر بها عباده وشرعها لهم ، ويحتمل أن يكون مصدراً كالسلامة فالمعنى طرق النجاة والسلامة من النار ، وقوله تعالى : { ويخرجهم } يعني المتبعين الرضوان ، فالضمير على معنى[ من ] لا على لفظها ، و { الظلمات } الكفر ، و { النور } الإيمان ، وقوله تعالى : { بإذنه } أي يمكنهم من أقوال الإيمان وأفعاله ، ويعلم فعلهم لذلك والتزامهم إياه ، فهذا هو حد الإذن ، العلم بالشيء والتمكين منه ، وقد تقدم شرحه في سورة البقرة ، والصراط المستقيم هو دين الله وتوحيده وما تركب عليه من شرعه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.