الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (16)

قوله تعالى : { يَهْدِي } : فيه خمسة أوجه ، أظهرها : انه في محل رفع لأنه صفة ثانية ل " كتاب " وَصَفه بالمفرد ثم بالجملة وهو الأصل . الثاني : أن يكون صفة أيضاً لكن ل " نور " ذَكَره أبو البقاء ، وفيه نظر ، إذ القاعدة انه إذا اجتمعت التوابعُ قُدِّم النعتُ على عطف النسق تقول : " جاء زيدٌ العاقلُ وعمرو " ولا تقول : " جاء زيدٌ وعمرو العاقل " ولأن فيه إلباساً أيضاً . الثالث : أن يكونَ حالاً من " كتاب " لأنَّ النكرة لَمَّا تخصصت بالوصفِ قَرُبَتْ من المعرفة ، وقياسُ قول أبي البقاء أنه يجوز أن يكونَ حالاً من " نور " كما جاز أن يكون صفة له . الرابع : أنه حال من " رسولنا " بدلاً من الجملة الواقعة حالاً له وهي قوله " يبين " الخامس : أنه حالٌ من الضمير في " يبيِّن " ذكرهما أبو البقاء ولا يَخْفى ما فيها من الفصل ، ولأنَّ فيه ما يُشْبه تهيئة العامل للعمل وقطعَه عنه .

والضميرُ في " به " يعودُ على مَنْ جَعَلَ " يَهْدي " حالاً منه أو صفة له ، قال أبو البقاء : " فلذلك أُفْرِد ، أي : إنَّ الضمير في " به " أتى به مفرداً ، وقد تقدَّمه شيئان ، وهما نورٌ وكتابٌ ، ولكنْ لَمَّا قَصَد بالجملة من قوله " يهدي " الحالَ أو الوصفَ من أحدهما أفردَ الضمير ، وقيل : الضمير في " به " يعودُ على الرسول . وقيل : يعودُ على السلام ، وعلى هذين القولين لا تكونُ الجملة من قوله " يهدي " حالاً ولا صفةً لعدم الرابط . و " مَنْ " موصولةٌ أو نكرة موصوفة ، وراعى لفظَها في قوله " اتَّبع " فلذلك أفرد الضمير ، ومعناها ، فلذلك جَمَعَه في قوله : { وَيُخْرِجُهُمْ } .

وقرأ عبيد بن عمير ومسلم بن جندب والزهري : " بهُ " بضمِّ الهاء حيث وقع ، وقد تقدم أنه الأصل . وقرأ الحسن : " سُبْل " بسكون الباء ، وهو تخفيف قياسي به كقولهم في " عُنُق " : " عُنْق " ، وهذا أولى لكونه جمعاً ، وهو مفعول ثاني ل " يهدي " على إسقاط حرف الجر أي : إلى سبل ، وتقدم تحقيق نظيره ، ويجوز أن ينتصب على أنه بدلٌ من " رضوانه " : إمَّا بدلُ كل مِنْ كل ؛ لأن " سبل السلام " هي رضوان الباري تعالى ، وإمَّا بدل اشتمال لأن الرضوان مشتمل على سبل السلام ، أو لأنها مشتملة على رضوان الله تعالى ، وإما بدل بعض من كل ، لأنَّ سبل السلام بعض الرضوان . و " بإذنه " متعلق ب " يخرجهم " أي بتيسيره أو بأمره ، والباء للحال أي : مصاحبين لتيسيره ، أو للسببية ، أي : بسببِ امره المنزل على رسوله .