مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (16)

ثم قال تعالى : { يهدى به الله } أي بالكتاب المبين { من اتبع رضوانه } من كان مطلوبه من طلب الدين اتباع الدين الذي يرتضيه الله تعالى ، فأما من كان مطلوبه من دينه تقرير ما ألفه ونشأ عليه وأخذه من أسلافه مع ترك النظر والاستدلال ، فمن كان كذلك فهو غير متبع رضوان الله تعالى .

ثم قال تعالى : { سبل السلام } أي طرق السلامة ، ويجوز أن يكون على حذف المضاف ، أي سبل دار السلام ، ونظيره قوله { والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم } ومعلوم أنه ليس المراد هداية الإسلام ، بل الهداية إلى طريق الجنة .

ثم قال : { ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه } أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، وذلك أن الكفر يتحير فيه صاحبه كما يتحير في الظلام ، ويهتدي بالإيمان إلى طرق الجنة كما يهتدي بالنور ، وقوله { بإذنه } أي بتوفيقه ، والباء تتعلق بالإتباع أي اتبع رضوانه بإذنه ، ولا يجوز أن تتعلق بالهداية ولا بالإخراج لأنه لا معنى له ، فدل ذلك على أنه لا يتبع رضوان الله إلا من أراد الله منه ذلك .

وقوله تعالى : { ويهديهم إلى صراط مستقيم } وهو الدين الحق ، لأن الحق واحد لذاته ، ومتفق من جميع جهاته ، وأما الباطل ففيه كثرة ، وكلها معوجة .