قوله تعالى : " يَهْدِي " فيه خَمْسَة أوجه :
أظهرها : أنَّه في محلِّ رفْع ؛ لأنَّهُ صفة ثَانِيَةٌ{[7]} ل " كِتَاب " ، وصفَهُ بالمفرد ثم بالْجُمْلَة ، وهو الأصْلُ .
الثاني : أن يكون صِفَةً أيضاً لكن ل " نُورٌ " ، وصَفَهُ بالمُفْرَد ثم بالجُمْلَة ، ذكره أبو البقاء{[8]} وفيه نظر ، إذ القَاعِدَةُ أنَّه إذا اجْتَمَعَتِ التَّوابع قُدِّم النَّعْت على عَطْف النَّسَق ، تقول جاء زَيْدٌ العَاقِل وعَمْرو ، ولا تقُولُ : جاء زيْدٌ وعمرو العَاقِل ؛ لأنَّ فيه إلباساً أيضاً .
الثالث : أن يكون حالاً من " كِتَاب " ، لأن النَّكرة لما تخصَّصَت بالوَصْف قَرُبت من المَعْرِفة .
وقياس{[9]} قول أبي البقاء أنَّه يجوز أن يكون [ حالاً من " نُورٌ " ، كما جاز أن يكُون ]{[10]} صِفَة لَهُ{[11]} .
الرابع : أنَّهُ حال من " رسُولُنا " بدلاً من الجُمْلَة الواقِعَة حالاً له ، وهي قوله : " يُبَيِّنُ " .
الخامس : أنَّهُ حالٌ من الضَّمير في " يُبَيِّن " ذكرهما أبُو البقاء{[12]} ، ولا يَخْفَى ما فيهما من الفَصْلِ ؛ ولأن فيه ما يُشْبِهُ تَهْيِئَة{[13]} العَامِل للعَمَلِ ، وقَطْعه عنه ، والضَّمِير في " بِهِ " يعُودُ على من جعل " يَهْدي " حالاً منه ، أو صِفَة لَه .
قال أبو البقاء{[14]} : فَلِذَلِكَ أفْرِدَ ، أي : إن الضمير في " بِهِ " أُتِي به مُفْرداً ، وقد تقدَّمه شيئان وهُمَا : " نُورٌ " و " كِتَابٌ " ، ولكن لما قصد بالجُمْلَة من قوله : " يَهْدي " الحال ، أو الوصف من أحدهما ، أُفْرِد الضَّمير .
وقيل : الضمير في " بِهِ " يعود على الرَّسُول [ وقيل : يَعُودَ على " السَّلام " ]{[15]} ، وعلى هذين القَوْلَيْن لا تكون الجُمْلَةُ من قوله : " يَهْدِي " حالاً ولا صِفَةً لعدم الرَّابط .
و " مَنْ " موصولةٌ أو نكرةٌ موصوفةٌ ، ورَاعَى لَفْظَها في قولِهِ : " اتَّبَع " فلذلك [ أفرد الضَّمِير ، ومَعْناها ، فَلِذَلك ]{[16]} جمعه في قوله : " وَيُخْرِجُهُم " .
وقرأ عُبَيْد بن عُمَيْر ، ومُسْلِم بن جُنْدُب ، والزُّهَري{[17]} " بهُ " بضم الهاء حيث وقع ، وقد تقدَّم أنَّه الأصْل .
وقرأ الحسن{[18]} " سُبْلَ " بسكون الباء ، وهو تخْفيفٌ قياسي به كقولهم في عُنُق : عُنْق ، وهذا أوْلَى لِكَوْنه جمعاً ، وهو مَفْعُول ثانٍ ل " يَهْدِي " على إسقاط حَرْفِ الجرِّ ، أي إلى " سُبْل " ، وتقدَّمَ تحقيق نظيره ، ويجُوزُ أن يَنْتَصِبَ على أنَّهُ بدَل من " رِضْوَانَهُ " إما بَدَل كُل من كلّ لأن سبل السلام [ هي رضوان الباري تعالى ، وإما بدل اشتمال ؛ لأن الرضوان مشتمل على سبل السلام ؛ أو لأنها مشتملة على رضوان الله تعالى ، وإما بدل ]{[19]} بعض من كل ؛ لأن سبل السلام بعض الرضوان .
معنى { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ } أي : بالكِتَابِ المُبِين { من اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ } أي : كان مطلوبُهُ من طلب الدِّين{[20]} اتِّباع الدِّين [ الذي ]{[21]} يَرْتَضِيه اللَّه ، " سُبُلَ السلام " [ أي : طُرُق السَّلامَة ]{[22]} وقيل : السلام هو الله عزَّ وجلَّ ، و " سُبُلَهُ " : دينَهُ الذي شرع لِعبَادِه ، ويجُوزُ أن يكون على حَذْفِ مُضَافٍ ، أي : سُبُل دار السلام ، ونظيره قوله : { وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } [ محمد : 4 - 5 ] ومعلومٌ أنَّه ليس المُرادُ هِدَايَة الاسْتِدْلاَل ، بل الهدايَةُ إلى طَرِيق الجَنَّة .
ثم قال : { ويخْرِجُهُم من الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإذْنِهِ } أي : من ظُلمات الكُفْر إلى نورِ الإيمان " بإذْنِهِ " بتوفيقه و " بإذنِهِ " متعلِّق ب " يُخْرِجُهُم " أي : بتَيْسِيره أو بأمْره ، و " البَاءُ " للحال أي : مُصَاحِبِين لِتَيْسِيرِه أو للسَّبَبِيَّة ، أي : بسبب أمْرِه المُنَزَّل على رسوله .
وقيل : " الباء " تتعلق بالاتِّبَاع ، أي : يتَّبع رِضْوَانه بإذْنِه .
قال ابنُ الخَطِيب{[23]} : ولا يجُوزُ أن تتعلَّق بالهِدَاية ، [ ولا بالإخْرَاج ؛ لأنَّه لا مَعْنَى له ، فَدَلَّ ذلك على أنَّه لا يتبع رضوان الله إلا من أرَادَ اللَّه منه ذَلِكَ ] .
ثم قال : { يَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقيم } وهو الدِّين الحقُّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.