في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ} (40)

( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى ) . .

الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة . فظل في دائرة الطاعة .

ونهى النفس عن الهوى هو نقطة الارتكاز في دائرة الطاعة . فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان ، وكل تجاوز ، وكل معصية . وهو أساس البلوى ، وينبوع الشر ، وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قبل الهوى . فالجهل سهل علاجه . ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها .

والخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة . وقل أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى . ومن ثم يجمع بينهما السياق القرآني في آية واحدة . فالذي يتحدث هنا هو خالق هذه النفس العليم بدائها ، الخبير بدوائها وهو وحده الذي يعلم دروبها ومنحنياتها ، ويعلم أين تكمن أهواؤها وأدواؤها ، وكيف تطارد في مكامنها ومخابئها !

ولم يكلف الله الإنسان ألا يشتجر في نفسه الهوى . فهو - سبحانه - يعلم أن هذا خارج عن طاقته . ولكنه كلفه أن ينهاها ويكبحها ويمسك بزمامها . وأن يستعين في هذا بالخوف . الخوف من مقام ربه الجليل العظيم المهيب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ} (40)

وقوله : وأمّا مَنْ حافَ مَقامَ رَبّهِ ونَهَى النّفْسَ عَنِ الهَوَى يقول : وأما من خاف مسألة الله إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه ، فاتقاه ، بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ونَهَى النّفْسَ عَنِ الهَوَى يقول : ونهى نفسه عن هواها فيما يكرهه الله ، ولا يرضاه منها ، فزجرها عن ذلك ، وخالف هواها إلى ما أمره به ربه فإنّ الجَنّةَ هِيَ المَأْوَى يقول : فإن الجنة هي مأواه ومنزله يوم القيامة .

وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في معنى قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ} (40)

وأما من خاف مقام ربه مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ والمعاد ونهى النفس عن الهوى لعلمه بأنه مرد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ} (40)

وقولُه : { من خاف مقام ربه } مقابل قوله : { من طغى } لأن الخوف ضد الطغيان وقوله : { نهى النفس عن الهوى } مقابل قوله : { وآثر الحياة الدنيا } .

ونهى الخائف نفسه مستعار للانكفاف عن تناول ما تحبه النفس من المعاصي والهوى ، فجعلت نفس الإِنسان بمنزلة شخص آخر يدعوه إلى السيئات وهو ينهاه عن هذه الدعوة ، وهذا يشبه ما يسمى بالتجريد ، يقولون : قالت له نفسه كذا فعصاها ، ويقال : نهى قَلْبَه ، ومن أحسن ما قيل في ذلك قول عروة بن أذيْنة :

وإذا وجَدْت لها وسَاوس سَلْوة *** شفَع الفُؤاد إلى الضمير فسلها

والمراد ب { الهوى } ما تهواه النفس فهو مصدر بمعنى المفعول مثل الخلق بمعنى المخلوق ، فهو ما ترغب فيه قوى النفس الشهوية والغضبية مما يخالف الحق والنفعَ الكامل . وشاع الهوى في المرغوب الذميم ولذلك قيل في قوله تعالى : { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من اللَّه } [ القصص : 50 ] أن { بغير هدى } حال فمؤكدة ليست تقييداً إذ لا يكون الهوى إلا بغير هدى .

وتعريف { الهوى } تعريف الجنس .