في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (73)

40

ولكن . فيم كانت هذه الوسيلة ، والله قادر على أن يحيي الموتى بلا وسيلة ؟ ثم ما مناسبة البقرة المذبوحة مع القتيل المبعوث ؟

إن البقر يذبح قربانا كما كانت عادة بني إسرائيل . . وبضعة من جسد ذبيح ترد بها الحياة إلى جسد قتيل . وما في هذه البضعة حياة ولا قدرة على الأحياء . . إنما هي مجرد وسيلة ظاهرة تكشف لهم عن قدرة الله ، التي لا يعرف البشر كيف تعمل . فهم يشاهدون آثارها ولا يدركون كنهها ولا طريقتها في العمل و : ( كذلك يحيي الله الموتى ) . . كذلك بمثل هذا الذي ترونه واقعا ولا تدرون كيف وقع ؛ وبمثل هذا اليسر الذي لا مشقة فيه ولا عسر .

إن المسافة بين طبيعة الموت وطبيعة الحياة مسافة هائلة تدير الرؤوس . ولكنها في حساب القدرة الإلهية أمر يسير . . كيف ؟ . . هذا ما لا أحد يدريه . وما لا يمكن لأحد إدراكه . . إن إدراك الماهية والكيفية هنا سر من أسرار الألوهية ، لا سبيل إليه في عالم الفانين ! وإن يكن في طوق العقل البشري إدراك دلالته والاتعاظ بها : ( ويريكم آياته لعلكم تعقلون ) . .

/خ73

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (73)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَىَ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ }

يعني جل ذكره بقوله : فَقُلْنا لقوم موسى الذين ادّارءوا في القتيل الذي قد تقدم وصفنا أمره : اضربوا القتيل . والهاء التي في قوله : اضْرِبُوهُ من ذكر القتيل ببعضها أي ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها .

ثم اختلف العلماء في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة وأيّ عضو كان ذلك منها ، فقال بعضهم : ضرب بفخذ البقرة القتيل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : ضرب بفخذ البقرة ، فقام حيا ، فقال : قتلني فلان ثم عاد في ميتته .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : ضرب بفخذ البقرة ، ثم ذكر مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جرير بن نوح ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة : فقلنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها قال : بفخذها فلما ضرب بها عاش وقال : قتلني فلان ثم عاد إلى حاله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن خالد بن يزيد ، عن مجاهد ، قال : ضرب بفخذها الرجل فقام حيا ، فقال : قتلني فلان ، ثم عاد في ميتته .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الزراق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال أيوب عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، ضربوا المقتول ببعض لحمها . وقال معمر عن قتادة : ضربوه بلحم الفخذ فعاش ، فقال : قتلني فلان .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها فأحياه الله ، فأنبأ بقاتله الذي قتله وتكلم ، ثم مات .

وقال آخرون : الذي ضرب به منها هو البَضْعة التي بين الكتفين . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش ، فسألوه : من قتلك ؟ فقال لهم : ابن أخي .

وقال آخرون : الذي أمروا أن يضربوه به منها عظم من عظامها . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان . فأخذ قاتله وهو الذي أتى موسى فشكا إليه فقتله الله على سوء عمله . وقال آخرون بما :

حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ضربوا الميت ببعض آرابها ، فإذا هو قاعد ، قالوا : من قتلك ؟ قال : ابن أخي . قال : وكان قتله وطرحه على ذلك السبط ، أراد أن يأخذ ديته .

والصواب من القول في تأويل قوله عندنا : فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا أن يقال : أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب . ولا دلالة في الآية ولا خبر تقوم به حجة على أيّ أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به . وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ ، وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف وغير ذلك من أبعاضها . ولا يضرّ الجهل بأيّ ذلك ضربوا القتيل ، ولا ينفع العلم به مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها ، فأحياه الله .

فإن قال قائل : وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها ؟ قيل : ليحيا فينبىء نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم والذين ادّارءوا فيه من قاتله .

فإن قال قائل : وأين الخبر عن أن الله جل ثناؤه أمرهم بذلك لذلك ؟ قيل : ترك ذلك اكتفاءً بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه نحو الذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى . ومعنى الكلام : فقلنا : اضربوه ببعضها ليحيا ، فضربوه فحيي كما قال جل ثناؤه : أنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْرَ فَانْفَلَقَ والمعنى : فضرب فانفلق . يدل على ذلك قوله : كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ المَوْتَى ويُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ .

القول في تأويل قوله تعالى : كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ المَوْتَى .

وقوله : كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ المَوْتَى مخاطبة من الله عباده المؤمنين ، واحتجاج منه على المشركين المكذّبين بالبعث ، وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا ، فقال لهم تعالى ذكره : أيها المكذّبون بالبعث بعد الممات ، اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته ، فإني كما أحييته في الدنيا فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم ، فأبعثهم يوم البعث ، فإنما احتجّ جل ذكره بذلك على مشركي العرب وهم قوم أُمّيون لا كتاب لهم ، لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم وفيهم نزلت هذه الآيات ، فأخبرهم جل ذكره بذلك ليتعرّفوا علم من قبلهم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ .

يعني جل ذكره : ويريكم الله أيها الكافرون المكذّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله من آياته ، وآياته : أعلامه وحججه الدالة على نبوّته لتعقلوا وتفهموا أنه محقّ صادق فتؤمنوا به وتتبعوه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (73)

{ فقلنا اضربوه } عطف على ادارأتم وما بينها اعتراض ، والضمير للنفس والتذكير على تأويل الشخص أو القتيل { ببعضها } أي بعض كان وقيل : بأصغريها . وقيل بلسانها . وقيل بفخذها اليمنى وقيل بالأذن . وقيل بالعجب { كذلك يحيي الله الموتى } يدل على ما حذف وهو فضربوه فحيي ، والخطاب مع من حضر حياة القتيل ، أو نزول الآية { ويريكم آياته } دلائله على كمال قدرته .

{ لعلكم تعقلون } لكي يكمل عقلكم وتعلموا أن من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلها ، أو تعملوا على قضيته . ولعله تعالى إنما لم يحيه ابتداء وشرط فيه ما شرط لما فيه من التقرب وأداء الواجب ، ونفع اليتيم والتنبيه على بركة التوكل والشفقة على الأولاد ، وأن من حق الطالب أن يقدم قربة ، والمتقرب أن يتحرى الأحسن ويغالي بثمنه ، كما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه ضحى بنجيبة اشتراها بثلاثمائة دينار . وأن المؤثر في الحقيقة هو الله تعالى ، والأسباب أمارات لا إثر لها ، وأن من أراد أن يعرف أعدى عدوه الساعي في إماتته الموت الحقيقي ، فطريقه أن يذبح بقرة نفسه التي هي القوة الشهوية حين زال عنها شره الصبا ، ولم يلحقها ضعف الكبر ، وكانت معجبة رائقة المنظر غير مذللة في طلب الدنيا ، مسلمة عن دنسها لا سمة بها من مقابحها بحيث يصل أثره إلى نفسه فتحيا حياة طيبا ، وتعرب عما به ينكشف الحال ، ويرتفع ما بين العقل والوهم من التدارؤ والنزاع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (73)

فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 73 )

وقوله : { اضربوه ببعضها } آية من الله تعالى على يدي موسى عليه السلام أن أمرهم أن يضربوا ببعض البقرة القتيل فيحيى ويخبر بقاتله ، فقيل : ضربوه ، وقيل : ضربوا قبره ، لأن ابن عباس ذكر أن أمر القتيل وقع قبل جواز البحر ، وأنهم داموا في طلب البقرة أربعين سنة ، وقال القرظي : لقد أمروا بطلبها وما هي في صلب ولا رحم بعد ، وقال السدي : ضرب باللحمة التي بين الكتفين( {[801]} ) ، وقال مجاهد وقتادة وعبيدة السلماني : ضرب بالفخذ ، وقيل : ضرب باللسان ، وقيل : بالذنب ، وقال أبو العالية : بعظم من عظامها .

وقوله تعالى : { كذلك يحيي الله الموتى } الآية ، الإشارة ب { كذلك } إلى الإحياء الذي تضمنه قصص الآية ، إذ في الكلام حذف ، تقديره : فضربوه فحيي ، وفي هذه الآية حض على العبر ، ودلالة على البعث في الآخرة : وظاهرها أنها خطاب لبني إسرائيل ، حينئذ حكي لمحمد صلى الله عليه وسلم ليعتبر به إلى يوم القيامة ، وذهب الطبري إلى أنها خطاب لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنها مقطوعة من قوله تعالى : { اضربوه ببعضها }( {[802]} ) ، وروي أن هذا القتيل لما حيي وأخبر بقاتله عاد ميتاً كما كان ، واستدل مالك رحمه الله بهذه النازلة على تجويز قول القتيل( {[803]} ) وأن تقع معه القسامة .


[801]:- لا شيء يسند هذا التعيين، فالأولى أن نبهمه كما أبهمه الله تعالى، وإذا بان لنا ما يعتمد من السنن فإننا نعتمده.
[802]:- أي لا تتصل به، ولا تخاطب من يحاطبه، فهي خطاب لبني إسرائيل المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، والخطاب في (اضربوه ببعضها) لبني إسرائيل الحاضرين للقصة.
[803]:- أي قبول قول الجريح: فلان قتلني، أو دمي عند فلان مع القسامة، وهي أن يحلف أولياؤه خمسين يمينا، وإنما يصح هذا الاحتجاج إذا صحت القصة به وإلا فالآية لا تدل على صحة القسامة بقول القتيل قتلني فلان.